أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

حديث: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

عن عبد الرحمن بْن عبد الله بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِك، عَنْ عبد الله بْنِ كَعْبٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ- قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة: ١١٨] فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِه: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنِّي أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَّةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الأيمان (٦٦٩٠)، ومسلم في التوبة (٢٧٦٩) مطولًا، كلاهما من حديث ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، به، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس من حديث نبيه الكريم.
الحديث الذي طلبت شرحه هو جزء من قصة طويلة وردت في الصحيحين (البخاري ومسلم) عن كعب بن مالك رضي الله عنه، أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك دون عذر، وكيف تاب الله عليهم. وهذا اللفظ الذي ذكرته هو من رواية مسلم.

أولاً. شرح المفردات:

● قَائِدَ كَعْبٍ: الذي يقوده ويساعده على المشي بعد أن كف بصره.
● خُلِّفُوا: أي تخلّفوا وتأخروا عن الغزوة (تبوك).
● أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي: أتخلى عنه وأتبرع به كله، من الخلع وهو النزع والترك.
● صَدَقَّةً: تبرعًا وعبادةً أتقرب بها إلى الله.
● أَمْسِكْ عَلَيْكَ: احتفظ لنفسك، أبقِ بعضه.

ثانيًا. شرح الحديث:

يحدثنا عبد الله بن كعب (ابن الصحابي كعب بن مالك) أنه سمع من أبيه وهو يقوده بعد أن عمي، يروي قصة توبته العظيمة. بعد أن نزلت توبة الله على كعب وصاحبيه، فرح فرحًا شديدًا وشكر الله، وأراد أن يُظهر صدق توبته وامتنانه لله.
فقد قال مقولته العظيمة: "إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنِّي أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي صَدَقَّةً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ". أي: إن من مظاهر توبتي الصادقة وعلامة شكري لله أن أتخلى عن كل مالي وأتصدق به كله تقربًا إلى الله ورسوله.
فجاءه الرد النبوي الحكيم والمليء بالرحمة: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ». أي: لا تفعل، بل احتفظ بجزء من مالك لنفسك وعيالك، فهذا أصلح وأنفع لك من أن تتصدق بكل شيء.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- صدق التوبة وعظم الشكر: يظهر من فعل كعب رضي الله عنه مدى صدق توبته ورغبته في التكفير عن ذنبه وتقريب نفسه إلى الله بأعز ما يملك.
2- حكمة النبي ﷺ ورحمته: النبي ﷺ هو المربي الحكيم،他知道 أن التصدق بكل المال قد يؤدي إلى الفقر والحاجة، ثم قد يندم الإنسان أو يحتاج إلى سؤال الناس، وهذا ليس من مقاصد الشريعة. الشريعة تحب التوسط والاعتدال.
3- التوازن في العبادة والإنفاق: الإسلام لا يحبذ الإسراف أو التقتير، بل يحب الاعتدال. فالأفضل للإنسان أن يحتفظ بقسم من ماله ليكف نفسه وعياله عن السؤال، ويتصدق بالباقي. وهذا من رحمة الإسلام وواقعيته.
4- أن خير المال ما كان فيه صلة لله ومعونة للنفس: عندما قال له ﷺ "هُوَ خَيْرُ لَكَ"، أي أن الاحتفاظ ببعض المال لتنفقه على نفسك وأهلك هو في ذاته خير وعبادة، لأنه يحميك من الذلّ والسؤال، ويُمكنك من الاستمرار في الكسب والإنفاق في سبيل الله لاحقًا.
5- طاعة النبي ﷺ واجبة حتى في النصيحة الشخصية: امتثل كعب رضي الله لأمر النبي ﷺ ولم يتصدق بكل ماله، فطاعة الرسول مقدمة على مجرد رغبة الشخص في التقرب بشيء قد لا يكون هو الأفضل.

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

- استجاب كعب رضي الله لأمر النبي ﷺ، وقال كما في رواية أخرى: "فقلت: إني أمسك نصيبي الذي بخيبر". أي أنه احتفظ بحصته من أرض خيبر.
- هذا الحديث أصل عظيم من أصول الفقه في باب الصدقات والإنفاق، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتلف كل ماله في الصدقة إذا كان له عيال أو قد يحتاج إليه.
- فيه أيضًا تربية النبي ﷺ لأصحابه على الحكمة والتوازن، وعدم الاندفاع وراء العاطفة ولو كانت في فعل الخير.
أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين في توبتهم، المتوازنين في عبادتهم، المقتدين بنبيهم صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الأيمان (٦٦٩٠)، ومسلم في التوبة (٢٧٦٩) مطولًا، كلاهما من حديث ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، به، فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 173 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

📜 حديث: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بِعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرُ لَكَ

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية