حديث: حكم المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب عدة الحامل المطلقة والمتوفى عنها زوجها وضع الحمل

عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عُظْم من الأنصار، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكرتُ حديث عبد الله بن عتبة في شأن سُبيعة بنت الحارث. فقال عبد الرحمن: ولكن عمّه كان لا يقول ذلك فقلت: إني لجريء إن كذبتُ على رجل في جانب الكوفة، ورفع صوته، قال: ثم خرجتُ، فلقيتُ مالك بن عامر أو مالك بن عوف. قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجُها. وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظَ، ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلتْ سورةُ النساء القصري بعد الطولي.

صحيح: رواه البخاري في التفسير (٤٥٣٢) عن حبان، حدثنا عبد الله، أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين فذكره.

عن محمد بن سيرين قال: جلست إلى مجلس فيه عُظْم من الأنصار، وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى، فذكرتُ حديث عبد الله بن عتبة في شأن سُبيعة بنت الحارث. فقال عبد الرحمن: ولكن عمّه كان لا يقول ذلك فقلت: إني لجريء إن كذبتُ على رجل في جانب الكوفة، ورفع صوته، قال: ثم خرجتُ، فلقيتُ مالك بن عامر أو مالك بن عوف. قلت: كيف كان قول ابن مسعود في المتوفى عنها زوجُها. وهي حامل؟ فقال: قال ابن مسعود: أتجعلون عليها التغليظَ، ولا تجعلون لها الرخصة؟ لنزلتْ سورةُ النساء القصري بعد الطولي.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث الوارد في قصة سُبيعة بنت الحارث رضي الله عنها، مع بيان دروسه وفوائده:

أولاً. شرح المفردات:


● عُظْم من الأنصار: أي جماعة كبيرة أو معظم الحاضرين من الأنصار.
● عبد الرحمن بن أبي ليلى: تابعي جليل، من فقهاء الكوفة.
● سُبيعة بنت الحارث: امرأة من الصحابة، توفي زوجها وهي حامل.
● التغليظ: التشديد في العدة، أي إلزامها بالانتظار حتى تضع حملها ثم تعتد أربعة أشهر وعشراً.
● الرخصة: التيسير عليها بالانتهاء من العدة بوضع الحمل فقط.
سورة النساء القصرى: يقصد بها سورة الطلاق، وسُميت بذلك لأنها shorter في الطول مقارنة بسورة النساء الطولى.


ثانياً. شرح الحديث:


هذا الأثر يرويه محمد بن سيرين -الإمام التابعي الجليل- عن مناقشة حصلت في مجلس من مجالس العلم، حيث ذكر حديثاً عن عبد الله بن عتبة في قصة سُبيعة بنت الحارث، التي توفي زوجها وهي حامل، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بوضع الحمل فقط، دون انتظار فترة أربعة أشهر وعشر.
فاعترض عبد الرحمن بن أبي ليلى قائلاً: "ولكن عمه (أي عبد الله بن مسعود) كان لا يقول ذلك"، أي كان يرى أن عليها أن تنتظر حتى تضع الحمل ثم تعتد أربعة أشهر وعشر.
فردَّ محمد بن سيرين متعجباً من هذا الإنكار، وقال: "إني لجريء إن كذبتُ على رجل في جانب الكوفة"، يعني: كيف أجرؤ على الكذب على أحد وخاصة في الكوفة حيث العلم والعلماء؟ ثم خرج من المجلس وذهب ليسأل مالك بن عامر أو مالك بن عوف عن قول ابن مسعود في المسألة.
فأجابه بأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يرى الرخصة للمرأة الحامل المتوفى عنها زوجها، بأن تنتهي عدتها بوضع الحمل فقط، مستدلاً بقوله: "أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟!" ثم بين أن آية سورة الطلاق (وهي القصرى) نزلت بعد آية سورة النساء (الطولي)، وفيها قوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]، فنسخت حكم آية العدة في سورة النساء للمرأة الحامل.


ثالثاً. الدروس المستفادة:


1- حرص السلف على التثبت في نقل العلم: حيث خرج محمد بن سيرين ليسأل ثقةً آخر ليتأكد من صحة القول المنسوب لابن مسعود.
2- الأدب في المناقشة العلمية: حيث لم يرد محمد بن سيرين بعنف، بل ذهب ليتحقق مما سمع.
3- مراعاة التيسير على الناس في الأحكام الشرعية: كما في قول ابن مسعود: "أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون لها الرخصة؟".
4- فهم الناسخ والمنسوخ في القرآن: حيث بين ابن مسعود أن آية سورة الطلاق ناسخة لحكم العدة للمرأة الحامل في سورة النساء.
5- اجتهاد الصحابة في فهم النصوص: حيث اختلفوا أولاً في المسألة، ثم ترجح عندهم القول بالرخصة.


رابعاً. معلومات إضافية:


● حكم العدة للمرأة المتوفى عنها زوجها وهي حامل: ذهب جمهور العلماء إلى أن عدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء كان ذلك بعد أيام أو أشهر، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
● سبب تسمية سورتي النساء والطلاق: سورة النساء فيها آيات مفصلة في الأحكام فسُميت "الطولي"، وسورة الطلاق فيها إيجاز في الأحكام فسُميت "القصرى".
● الاستدلال بالنسخ: حيث نزلت آية الطلاق متأخرة فنسخت حكم العدة للحامل في سورة النساء.

فهذا الحديث يعلمنا أدب العلم، ومراعاة التيسير في الفتوى، وفهم نصوص الشريعة في ضوء الناسخ والمنسوخ، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في التفسير (٤٥٣٢) عن حبان، حدثنا عبد الله، أخبرنا عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين فذكره.
وذكره معلقا في تفسير سورة الطلاق (٤٩١٠).
وقوله: «عمه كان لا يقول ذلك». المراد به عبد الله بن مسعود ما كان يقول بهذا سُبيعة بنت الحارث. إلا أن هذا النقل منه ليس بصحيح، فإن ابن مسعود كان يقول خلاف ذلك، فلعله كان يقول أولًا ثم رجع عنه، أو وهم الناقل عنه كذا قاله ابن حجر.
وقوله: سورة النساء القصرى - أي سورة الطلاق.
وقوله: بعد الطولى: أي بعد البقرة.
ففي سورة البقرة: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤].
وفي سورة الطلاق: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [سورة الطلاق: ٤].
ومراد ابن مسعود أنه وقع نسخ، فالمتأخر هو الناسخ.
وإلى هذا يُشير ابن مسعود بقوله: «من شاء لاعنتُه لأُنزلتْ سورة النساء القصري بعد الأربعة الأشهر وعشرا» والملاعنة هنا بمعنى: المباهلة.
رواه أبو داود (٢٣٠٧) وابن ماجه (٢٠٣٠) بإسناد صحيح.
قال الحافظ ابن حجر: «وإلا فالتحقيقُ أن لا نسخ هناك، بل عموم آية البقرة، مخصوصٌ بأية الطلاق». «الفتح» (٨/ ٦٥٦)

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب

معلومات عن حديث: حكم المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها

  • 📜 حديث: حكم المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: حكم المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: حكم المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: حكم المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب