لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملًا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن قصة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها:

---

الحديث:

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة خرج مع علي بن أبي طالب إلى اليمن فأرسل إلى امرأته فاطمة بنت قيس بتطليقة كانت بقيت من طلاقها. وأمر لها الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة بنفقة فقالا لها: والله ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملًا. فأتت النبي ﷺ فذكرت له قولهما، فقال: «لا نفقة لك» فاستأذنته في الانتقال فأذن لها.

---

1. شرح المفردات:

● عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: راوي الحديث، وهو ثقة من التابعين.
● أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: زوج فاطمة بنت قيس، وهو من بني مخزوم.
● فاطمة بنت قيس: صحابية جليلة، أخت الضحاك بن قيس، وهي من المهاجرات.
● تطليقة كانت بقيت من طلاقها: أي أن زوجها طلقها الثالثة (البائنة) بعد طلقتين سابقتين.
● الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة: رجلان من قريش، كانا وكيلين لزوجها في إنفاق النفقة.
● نفقة: ما يُنفق على المطلقة من طعام وكسوة وسكنى.
● لا نفقة لك: أي لا حق لك في النفقة.
● الانتقال: الخروج من بيت الزوجية إلى مكان آخر.

---

2. شرح الحديث:

كان أبو عمرو بن حفص زوجًا لفاطمة بنت قيس، وقد طلقها طلقة ثالثة (بائنة) بعد طلقتين سابقتين، فأصبحت مطلقة ثلاثًا لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره. وأثناء وجوده في اليمن مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أرسل إلى وكيليه (الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة) لينفقا عليها، فقالا لها: "والله ما لك نفقة إلا أن تكوني حاملًا"؛ لأنهما رأيا أن النفقة واجبة فقط للمرأة الحامل في فترة العدة، أما غير الحامل فلا نفقة لها إذا كانت مطلقة طلاقًا بائنًا.
فذهبت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكت له قولهما، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نفقة لك»؛ أي لا نفقة واجبة لك لأنك مطلقة طلاقًا بائنًا ولسيت حاملًا. ثم استأذنته في الانتقال من بيت زوجها إلى مكان آخر (لأنها كانت في العدة)، فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم بالانتقال.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- حكم النفقة للمطلقة طلاقًا بائنًا: لا تجب النفقة للمطلقة طلاقًا بائنًا إذا لم تكن حاملًا، لأن العدة في الطلاق البائن لا توجب النفقة إلا إذا كانت حاملًا، لقوله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6]. أما غير الحامل فلا نفقة لها إلا إذا كانت رجعية (في الطلاق الرجعي).
2- جواز خروج المطلقة طلاقًا بائنًا من بيتها في العدة: إذا لم تكن حاملًا، يجوز لها أن تنتقل من بيت زوجها إلى مكان آخر، بخلاف المطلقة الرجعية أو الحامل، فإنها تبقى في بيت الزوجية.
3- الاستشارة والرجوع إلى أهل العلم: فعل فاطمة بنت قيس في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوب الرجوع إلى العلماء في المسائل الشرعية وعدم الاكتفاء برأي العامة.
4- العدل في الإنفاق: الحديث يدل على أن النفقة ليست حقًا مطلقًا للمرأة المطلقة، بل مقيدة بشروط، مما يدل على دقة الشريعة وعدلها.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخذ به الإمام الشافعي وأحمد في رواية، وهو قول جمهور العلماء، خلافًا لأبي حنيفة الذي يرى وجوب النفقة للمطلقة البائن غير الحامل في العدة.
- العدة للمطلقة البائن غير الحامل ثلاثة قروء (ثلاث حيضات) كما في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، ولكن لا نفقة لها إلا إذا كانت حاملًا.
- الحديث يدل على حرص الصحابة على تطبيق أحكام الشريعة بدقة، وعدم التجاوز فيها.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يردنا إلى الحق ردًا جميلًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.