توفي عنها زوجها وهي حامل فوضعت بعد ذلك بأيام

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم فيه بيان لحكم شرعي مهم، وإليك شرحه وافياً على النحو التالي:

---

الحديث:

عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب قالت: إنها سمعت عمر بن الخطاب وأبي بن كعب يختصمان، فقالت أم الطفيل: أفلا يسأل عمرُ بن الخطاب سُبيعة الأسلمية؟ توفي عنها زوجها وهي حامل، فوضعت بعد ذلك بأيام، فأنكحها رسول الله ﷺ.

---

1. شرح المفردات:

● أم الطفيل: هي امرأة أبي بن كعب رضي الله عنه، وهي من الصحابيات الفاضلات.
● يختصمان: أي يتباحثان أو يتناقشان في مسألة شرعية.
● سُبيعة الأسلمية: صحابية جليلة، من قبيلة أسلم، وهي امرأة سعد بن خولة رضي الله عنه.
● توفي عنها زوجها: مات زوجها.
● وهي حامل: أي كانت حاملاً عند وفاة زوجها.
● فوضعت بعد ذلك بأيام: أي ولدت بعد وفاة زوجها بفترة قصيرة.
● فأنكحها رسول الله ﷺ: أي أذن لها بالزواج بعد وضع الحمل مباشرة.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يروي قصة سُبيعة الأسلمية رضي الله عنها، التي توفي عنها زوجها سعد بن خولة وهي حامل، فولدت بعد وفاته بأيام قليلة. فلما وضعت حملها، جاءت إلى النبي ﷺ تستأذنه في الزواج، فأذن لها وتزوجت.
وفي رواية أخرى في الصحيحين: أن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجها بليالٍ، فخطبها رجلان، أحدهما شاب والآخر كهل، ففضلت الشاب، فقال الكهل: لم تحلِّ بعد، فانتظري حتى تمضي أربعة أشهر وعشراً، فذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال: "قد حللتِ حين وضعتِ حملك".
وفي هذا الحديث، كانت أم الطفيل تسمع عمر بن الخطاب وأبي بن كعب يتباحثان في مسألة العدة، فأرشدتهما إلى قصة سُبيعة الأسلمية، التي حلت بالوضع دون انتظار انقضاء أربعة أشهر وعشراً.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● بيان حكم العدة للمرأة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملاً: فإن عدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء كان ذلك بعد أيام أو أشهر، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. وهذا الحكم مجمع عليه بين العلماء.
● جواز تذكير العالم بما نسيه أو غاب عنه: فقد ذكَّرت أم الطفيل عمر وأبي بن كعب بقصة سُبيعة، وهذا من التعاون على البر والتقوى.
● فضل الصحابة في البحث عن الحق واتباع الدليل: فقد قبل عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما هذا التذكير، ولم يعترضا عليه، بل قبلا بالحجة والبرهان.
● جواز زواج المرأة بعد انقضاء عدتها بالوضع: وهذا دليل على أن المرأة إذا وضعت حملها حلَّت للأزواج.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه، والحاكم، وصححه الألباني.
- القصة فيها دليل على أن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها تنتهي بالوضع، وليس بانقضاء أربعة أشهر وعشراً، وهو قول جمهور العلماء.
- سُبيعة الأسلمية رضي الله عنها هي أول امرأة حلت بعد وفاة زوجها بالوضع في الإسلام، فكانت قضيتها منارة للفقهاء في بيان هذا الحكم.
- في القصة أيضاً بيان لحرص الصحابة على معرفة الأحكام الشرعية والتثبت فيها، وعدم التسرع في الفتوى دون علم.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.