حديث: امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب اعتداد المتوفّى عنها زوجها في البيت الذي جاء فيه نعيُه

عن زينب بنت كعب بن عُجْرة، أن الفُريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتْها، أنها جاءتْ رسولَ الله ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدرة، وأن زوجَها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لَحِقهم فقتلوه. قالت: فسألتُ رسول الله ﷺ أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله ﷺ: «نعم» قالت: فانصرفت، حتى إذا كنتُ في الحجرة أو في المسجد ناداني رسولُ الله ﷺ، أو أمر بي فنوديتُ له، فقال: «كيف قلت؟» قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. قال: «امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه» قالت: فاعتددتُ فيه أربعةَ أشهر وعشرًا. قالت: فلما كان عثمان، أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به.

صحيح: رواه مالك في الطلاق (٩٦) عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عُجرة فأخبرته، أن الفُريعة بنت مالك أخبرتها أنها جاءت إلى النبي ﷺ فذكرته.

عن زينب بنت كعب بن عُجْرة، أن الفُريعة بنت مالك بن سنان، وهي أخت أبي سعيد الخدري، أخبرتْها، أنها جاءتْ رسولَ الله ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خُدرة، وأن زوجَها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كان بطرف القدوم لَحِقهم فقتلوه. قالت: فسألتُ رسول الله ﷺ أن أرجع إلى أهلي، فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه، ولا نفقة. قالت: فقال رسول الله ﷺ: «نعم» قالت: فانصرفت، حتى إذا كنتُ في الحجرة أو في المسجد ناداني رسولُ الله ﷺ، أو أمر بي فنوديتُ له، فقال: «كيف قلت؟» قالت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي. قال: «امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه» قالت: فاعتددتُ فيه أربعةَ أشهر وعشرًا. قالت: فلما كان عثمان، أرسل إليَّ فسألني عن ذلك فأخبرته، فاتبعه وقضى به.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من الأحاديث التي تُبيّن أحكام العدة في الإسلام، وخاصة عدة المتوفى عنها زوجها. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

شرح المفردات:
● الفُريعة بنت مالك بن سنان: هي صحابية جليلة، وأخت الصحابي المعروف أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
● أعبد له أبقوا: أي عبيدًا له هربوا (أبق العبد: هرب من سيده).
● طرف القدوم: موضع قرب المدينة المنورة.
● لَحِقهم فقتلوه: أي طاردهم فقتلوه هم.
● لم يترك لي مسكنا يملكه: أي لم يترك لها منزلاً هو مالكه تُقيم فيه.
● الحجرة: يقصد حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الملاصقة للمسجد.
● حتى يبلغ الكتاب أجله: "الكتاب" هنا هو القرآن، و"أجله" هو نهاية المدة المحددة شرعًا، وهي عدة الوفاة.
● اعتدت فيه أربعة أشهر وعشرًا: أي أقامت العدة في منزلها هذا المدة الكاملة.

شرح الحديث:
تخبرنا الصحابية الجليلة الفريعة بنت مالك رضي الله عنها قصتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أن زوجها خرج ليطارد عبيدًا هربوا منه، فقتلوه في مكان يسمى "القدوم".
فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب الإذن بالرجوع إلى أهلها (بني خدرة) لأن زوجها لم يترك لها منزلاً خاصًا بهما تقيم فيه، ولا ترك لها مالاً للنفقة، فاحتاجت إلى من يعولها.
فأذن لها النبي صلى الله عليه وسلم أولاً بالرجوع، فلما همت بالانصراف، استدعاها صلى الله عليه وسلم again وسألها أن تعيد قصتها، perhaps ليستوضح الأمر أو ليُعلّم الصحابة الحكم. بعد أن أعادت عليه القصة، أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تمكث في بيتها الذي كانت تسكن فيه عند موت زوجها حتى تنتهي عدتها، وهي أربعة أشهر وعشرًا (كما جاء صراحة في القرآن الكريم في سورة البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}).
فأطاعت رضي الله عنها وأقامت العدة في ذلك البيت حتى انقضت المدة.
ثم تخبرنا الرواية أن هذا الحكم بقي معمولاً به في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث سألها عن قضيتها وقضى بموجبها، مما يدل على حفظ السنة والعمل بها في عهد الخلفاء.

الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
1- وجوب عدة الوفاة: الحديث دليل واضح على وجوب العدة على المرأة التي يتوفى عنها زوجها، ومدة هذه العدة هي أربعة أشهر وعشر أيام، سواء كانت حاملاً أم لا (فالحامل عدتها بوضع الحمل كما في آية أخرى).
2- مكان أداء العدة: يجب على المرأة أن تقضي عدتها في البيت الذي كانت تسكن فيه عند وفاة زوجها. وهذا الحكم فيه معنى شرعي عميق، وهو الحفاظ على حرمة الزوج المتوفى وتركيز المرأة لشئونها وتعبدها في هذه الفترة، وهو ما يُعرف بـ "الاكتئاب" (أي الاعتكاف والحزن شرعًا).
3- حكمة التشريع: هذا الحكم فيه تحقيق للعدالة والرحمة، فهو يحفظ حقوق الزوجة ويصونها من كلام الناس، ويضمن انتظارها لبراءة رحمها، كما أنه يمثل فترة حداد واحترام للرابطة الزوجية التي انقطعت بوفاة الزوج.
4- السنة مصدر تشريع: قضاء عثمان رضي الله عنه بهذا الحكم بناء على سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي حفظتها الصحابية، يؤكد على مكانة السنة النبوية وأنها المصدر الثاني للتشريع، وأن الخلفاء الراشدين كانوا يتبعونها ويحكمون بها.
5- جواز سؤال المرأة عن أحكامها: الحديث يدل على أن للمرأة أن تذهب بنفسها لتسأل الإمام أو العالم عن أمور دينها، وأن تروي الأحاديث، وهذا من مكانة المرأة في الإسلام وحفظ حقوقها.

خاتمة:
هذا الحديث من الأحاديث العملية التي تبين دقة التشريع الإسلامي ومراعاته لأحوال الناس، خاصة في الأوقات الصعبة كفقدان المعيل. وهو يربط بين الحكم القرآني (`يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا`) والتطبيق العملي من خلال سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مما يوضح تكامل مصادر التشريع في الإسلام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مالك في الطلاق (٩٦) عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عُجرة فأخبرته، أن الفُريعة بنت مالك أخبرتها أنها جاءت إلى النبي ﷺ فذكرته.
ومن طريق مالك رواه أبو داود (٢٣٠٠) والترمذي (١٢٠٤) وابن ماجه (٢٠٣١) والنسائي (٣٥٢٨) وصحّحه ابن حبان (٤٢٩٢) والحاكم (٢/ ٢٠٨) إلا أن النسائي رواه من أوجه أخر عن زينب بنت كعب.
ورواه أبو داود الطيالسي (١٧٦٩) عن شعبة، عن سعد بن إسحاق، عن زينب، عن فُريعة أخت أبي سعيد أن زوجَها تبع أعلاجا، فقتلوه - وهي في قرية من قرى المدينة - فأتت النبيَّ ﷺ فذكرت ذلك له، واستأذنتْ أن تأتي أخواتها فتعتد عندهم فذكرت بقية الحديث نحوه.
ورواه ابن حبان (٤٢٩٣) من وجه آخر عن شعبة. وإسناده صحيح.
وزينب بنت كعب بن عُجرة الأنصارية ذكرها ابن حبان في «الثقات» وذكرها ابن الأثير وابن فتحون في الصحابة.
قال الترمذي عقب إخراج حديث زينب:
«هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم لم يروا للمعتدة أن تنتقلَ من بيت زوجها حتى تنقضي عدّتُها، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم: للمرأة أن تعتد حيث شاءت، وإن لم تعتد في بيت زوجها.
والقول الأول أصح». انتهى.
وبالقول الأول قال الأئمة الأربعة، قال ابن عبد البر: «وهو قول جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز، والشام، والعراق، ومصر».
وقالوا أيضا: لو جاء النعي في غير منزلها فإنها تعتد في منزلها.
والقول الثاني روي عن علي، وابن عباس، وجابر، وعائشة من الصحابة، وكذلك قال به جماعة من التابعين.
وكانت حجتُهم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٠] فكانت المرأةُ في الجاهلية تمكثُ سنة في بيت زوجها المتوفى عنها، يُنفق عليها من ميراثه، فإذا تمَّ الحولُ خرجتْ إلى أهلها.
ثم جاء الإسلام فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية، ثم نسخ ذلك بالآية المتقدمة في نظم القرآن على هذه الآية وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٣٤] فجعل المكث أربعة أشهر وعشرًا، ونسخ الأمر بالوصية لها بما فرض لها من ميراثه، وبقي الخروج من بيت زوجها من غير إخراج لها على حالها.
قال ابن عباس: نسختْ هذه الآية (أعني الآية ٢٣٤) عدتها عند أهلها فتعتد حيث شاءت وهو قوله تعالى: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] (أي الآية ٢٤٠) وتكملة الآية ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٠] قول ابن عباس ذكره البخاري في تفسير الآية.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب

معلومات عن حديث: امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه

  • 📜 حديث: امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: امكثِي في بيتك حتى يبلغَ الكتابُ أجلَه

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب