لا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من أحاديث أمهات المؤمنين وأمهات المسلمين، رواه أم المؤمنين أم عطية نسيبة بنت الحارث الأنصارية رضي الله عنها، وهو في الصحيحين وغيرهما. وإليك الشرح المفصل له:

---

أولاً. شرح المفردات:

● نُنْهى: أي نُمنع ونُزجر.
● نُحِدّ: من الإحداد، وهو ترك الزينة والتحزن على الميت بشكل ظاهر.
● لا نكتحل: لا نضع الكحل في العين.
● لا نتطيب: لا نضع الطيب والعطر.
● ثوبًا مصبوغًا: الثوب الذي صبغ بصبغ غير الصبر (وهو صبغ أحمر).
● ثوب عصب: ثوب من العصب، وهو نوع من الثياب اليمنية المصنوعة من صبغ معين، وكانت لا تعتبر من الزينة في ذلك الوقت.
● عند الطهر: بعد انتهاء الحيض.
● نبذة من كُست: قليل من عطر الكُست (وهو نوع من الطيب).
● اتّباع الجنائز: السير وراء الجنازة إلى المقبرة.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يبيّن هذا الحديث جملة من الأحكام المتعلقة بآداب الحداد على الميت، خاصة بالنسبة للمرأة، وذلك كما يلي:
1- مدة الإحداد:
- تنهى النساء عن الإحداد على الميت أكثر من ثلاثة أيام، إلا في حالة وفاة الزوج، فمدة الإحداد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام (وهي مدة العدة).
- وهذا الحكم يدل على أن الحزن يجب ألا يطول بشكل يؤثر على حياة الإنسان، ويشغله عن العبادة والتوكل على الله.
2- ما تمتنع عنه المرأة خلال الإحداد:
● لا تكتحل: حتى لا تتزين وتظهر الجمال.
● لا تتطيب: حتى لا تجذب الانتباه برائحتها.
● لا تلبس ثوبًا مصبوغًا (ما عدا ثوب العصب): لأن الألوان الزاهية تعتبر زينة، وثوب العصب كان بسيطًا وغير لافت.
3- الرخصة في الطيب بعد الحيض:
- رُخّص للمرأة عند انتهاء حيضها أن تستعمل قليلاً من الطيب (الكُست) ل消除 رائحة الدم، ولكن بدون إسراف أو إظهار زينة.
4- نهي النساء عن اتباع الجنائز:
- في ذلك الوقت كان النساء يُنهين عن الخروج لاتباع الجنائز إلى المقبرة، وذلك لما قد يحصل من شدة الحزن والصراخ الذي قد يؤدي إلى عدم الصبر على القضاء والقدر.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- مراعاة النفس البشرية: الشرع يراعي طبيعة المرأة وحزنها، لكنه يضع ضوابط حتى لا يتحول الحزن إلى هلاك أو إهمال للعبادة.
2- الصبر واحتساب الأجر: النهي عن الإحداد الطويل يدعو إلى الصبر والرضا بقضاء الله.
3- التوسط في كل شيء: حتى في الحزن، الإسلام يدعو إلى التوسط وعدم الإفراط.
4- احترام مشاعر الآخرين: النهي عن اتباع الجنائز للمرأة كان لصالحها ولعدم إثارة الفتنة أو الانفعال الشديد.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدل على حرص الإسلام على تهذيب المشاعر وعدم الانغماس في الحزن.
- مدة الإحداد على الزوج (أربعة أشهر وعشرة أيام) ثابتة بالقرآن والسنة، وهي من خصائص المرأة تجاه زوجها.
- أما الإحداد على غير الزوج (كالأب أو الابن) فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام إلا برخصة خاصة.
أسأل الله أن يرزقنا الصبر والاحتساب عند المصائب، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.