لا سكنى ولا نفقة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فقد ورد هذا الحديث في الصحيحين وغيرهما، وسأقوم بشرحه وبيان معناه وفقًا لما ذكره أئمة العلم من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما لفاطمة - ألا تتقي الله يعني في قولها: لا سكنى ولا نفقة.

---

شرح المفردات:

● ما لفاطمة: استفهام تعجبي، أي: ما شأن فاطمة؟ أو ما الذي دفعها إلى هذا القول؟
● ألا تتقي الله: أي ألا تخاف الله في قولها هذا.
● لا سكنى ولا نفقة: أي لا حق لها في السكنى ولا في النفقة.

---

شرح الحديث:

هذا الحديث جزء من قصة وقعت بين السيدة عائشة رضي الله عنها والسيدة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، حيث ذكرت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها سكنى ولا نفقة بعد الطلاق البائن (وهو الطلاق الذي لا رجعة فيه)، فردت عليها عائشة رضي الله عنها بهذا القول تعجبًا وتحذيرًا لها من التسرع في نقل الحديث دون تحري الدقة، أو من احتمال خطئها في فهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
والمراد أن عائشة رضي الله عنها أنكرت على فاطمة بنت قيس قولها بأن المطلقة البائن لا سكنى ولا نفقة لها، معتبرة أن هذا القول مخالف لما نزل في القرآن من وجوب السكنى والنفقة للمطلقة الرجعية، ومشيرة إلى أن فاطمة بنت قيس قد تكون أساءت الفهم أو النقل.

---

الدروس المستفادة:

1- وجوب التحري في نقل الحديث: فالسيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت على فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قولها هذا لأنه قد يكون فيه خطأ في النقل أو الفهم، مما يدل على حرص الصحابة على دقة نقل السنة.
2- احترام العلماء وعدم التسرع في الرد: فالعلماء اختلفوا في هذه المسألة، فمنهم من أخذ بقول فاطمة بنت قيس، ومنهم من رجح قول عائشة، وهذا يدل على أن الخلاف بين الصحابة لا يعني الطعن في أحدهم، بل كل مجتهد ومأجور.
3- التقوى في القول والعمل: قول عائشة "ألا تتقي الله" تذكير بأن المسلم يجب أن يتحرى الصدق والدقة في كل ما يقوله، خاصة إذا تعلق بأمور الدين.
4- أهمية الفقه في الدين: فالمسائل الفقهية تحتاج إلى فهم دقيق، وقد يكون للواقعة ظروف خاصة لا تعمم.

---

معلومات إضافية:

- هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
- اختلف الفقهاء في حكم السكنى والنفقة للمطلقة البائن:
- فمنهم من قال بعدم وجوبها استنادًا لرواية فاطمة بنت قيس.
- ومنهم من قال بوجوبها استنادًا لآية الطلاق ولقول عائشة رضي الله عنها.
- والراجح عند كثير من العلماء أن المطلقة البائن لا سكنى ولا نفقة لها إلا إذا كانت حاملاً، فإن لها السكنى والنفقة حتى تضع حملها.
والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.