لا تحد المرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه أم المؤمنين أم عطية نسيبة بنت الحارث الأنصارية رضي الله عنها، وهو حديث عظيم في بيان أحكام حداد المرأة على زوجها وعلى غيره من الأقارب.

---

نص الحديث:

عن أم عطية رضي الله عنها، أن رسول الله ﷺ قال: «لا تُحِدَّ المرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عَصْبٍ، ولا تَكْتَحِل، ولا تمس طيبًا، إلا عند طهرها حين تطهر: نبذة من قسط وأظفار».

---

1. شرح المفردات:

● تُحِدَّ: تَعتد وتَنتحب وتترك الزينة حدادًا على الميت.
● مصبوغًا: ثوبًا صُبغ بصبغ غير التراب (أي بالألوان الزاهية).
● ثوب عَصْبٍ: ثوب مصنوع من صوف غير مصبوغ، أو مصبوغ بالتراب أو ما يشبهه، وهو لباس خشن غير زينة.
● تكتحل: تضع الكحل في عينيها للزينة.
● تطهر: تنتهي من حيضها أو نفاسها.
● نبذة: قليلاً أو شيئًا يسيرًا.
● قسط وأظفار: القسط هو العود الهندي (نوع من البخور)، والأظفار هو نبات طيب الرائحة.

---

2. شرح الحديث:

يبيّن النبي ﷺ في هذا الحديث الأحكام المتعلقة بحداد المرأة على زوجها أو على قريبها المتوفى، وذلك من خلال النقاط التالية:
● مدة الحداد:
لا يجوز للمرأة أن تحد على ميت (سوى الزوج) أكثر من ثلاثة أيام، إلا على زوجها فإن مدة حدادها عليه أربعة أشهر وعشرة أيام. وهذه المدة (الأربعة أشهر وعشرة) هي فترة العدة الواجبة على المرأة عند وفاة زوجها، كما جاء في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234]. أما الحداد على غير الزوج (كالأب أو الابن أو الأخ) فلا يزيد على ثلاثة أيام، إلا إذا كان الزوج قد توفي أثناء عدة الوفاة، فتبقى في حدادها حتى تنتهي العدة.
● الملبس أثناء الحداد:
لا يجوز للمرأة في فترة الحداد على زوجها أن تلبس ثوبًا مصبوغًا (أي ملونًا بالأصباغ الزاهية كالأحمر والأصفر وغيرها)، إلا ثوب "عَصْب" وهو ثوب خشن غير مصبوغ، أو مصبوغ بالتراب أو ما يشبهه من الألوان الباهتة التي لا تظهر الزينة. والمقصود من ذلك اجتناب الزينة والتبرج أثناء فترة الحداد.
● اجتناب الكحل والطيب:
لا يجوز للمرأة في حدادها على زوجها أن تكتحل (أي تضع الكحل في عينيها) ولا أن تمس طيبًا (أي تتعطر أو تضع العطور)، لأن ذلك من الزينة التي تُظهر الجمال وتنافي حالة الحزن والحداد.
● استثناء الطيب عند الطهر:
يستثنى من تحريم الطيب أن يكون عند انتهاء الحيض أو النفاس، حيث يجوز لها أن تستعمل شيئًا يسيرًا من الطيب، كالقسط والأظفار (وهما من أنواع البخور الطيبة الرائحة)، وذلك لإزالة الرائحة الكريهة، لا للزينة والتطيب.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● التيسير ورفع الحرج:
الشرع الإسلامي يراعي مشاعر الإنسان وحاجته، فلم يوجب على المرأة الحداد على غير الزوج إلا ثلاثة أيام فقط، لأن الحزن الطبيعي لا ينبغي أن يطول بشكل يؤثر على حياتها. أما الحداد على الزوج فهو لحكمة عظيمة، وهي إتمام العدة واحترام حق الزوج.
● الحفاظ على الآداب العامة:
النهي عن الزينة والطيب والكحل أثناء الحداد يدل على احترام مشاعر الفقد والحزن، وعدم إظهار ما ينافي ذلك في المجتمع.
● مراعاة الفطرة الإنسانية:
استثناء الطيب عند الطهر يدل على مراعاة الفطرة والنظافة الشخصية، دون إسراف أو التزام بالزينة.
● التفريق بين حداد الزوجة وغيرها:
مدة الحداد على الزوج أطول من غيره، مما يدل على مكانة الزوج وعظم حقه، وأن العلاقة الزوجية لها خصوصية وتأثير عميق في نفس المرأة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث المتعلقة بأحكام العدة والحداد.
- جمهور العلماء على أن الحداد على غير الزوج لا يزيد على ثلاثة أيام، وهو حداد مستحب وليس واجبًا، إلا إذا كان المتوفى زوجًا فيجب الحداد عليه مدة العدة.
- يجوز للمرأة في حدادها أن تغتسل وتنظف بدنها وثيابها، ولكن دون استعمال الطيب أو ما يدل على الزينة.
- إذا انتهت عدة الوفاة (أربعة أشهر وعشرة أيام) جاز للمرأة أن تعود إلى زينتها الطبيعية، وأن تخطب وتتزوج إذا شاءت.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبيه ﷺ، وأن يرزقنا الفهم الصحيح والعمل الصالح. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.