نفست بعد وفاة زوجها بليال فقال لها قد حللت فانكحي

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس من سنة نبيه ﷺ.
الحديث الشريف:
عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن سُبيعة الأسلمية نُفِسَتْ بعد وفاة زوجها بليال، فقال لها رسول الله ﷺ: «قد حللتِ فانكِحي من شئتِ».
مصدر الحديث:
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (باب عدة المتوفى عنها زوجها)، ومسلم في صحيحه، واللفظ للبخاري.

---

الشرح التفصيلي:

---

# 1. شرح المفردات:

* المسور بن مخرمة: صحابي جليل، ابن أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وكان من فقهاء الصحابة.
* سُبيعة الأسلمية: امرأة من قبيلة أسلم، وهي صحابية.
* نُفِسَتْ: أي وضعت حملها وولدت. والنفاس: الدم الخارج بسبب الولادة.
* بليال: يعني بعد أيام قليلة.
* حللتِ: أصبحت حلالاً، أي انتهت عدتك وزال مانع الزواج.
* فانكحي من شئتِ: فتزوجي من تريدين من الرجال.

---

# 2. شرح الحديث:

تخبرنا هذه القصة عن امرأة صالحة من قبيلة أسلم، اسمها سُبيعة، كان زوجها قد توفي عنها وهي حامل. وبعد وفاته بليالٍ قليلة (أي أيام)، وضعت حملها وولدت.
في الجاهلية، كانت العدة على المرأة المتوفى عنها زوجها أطول فترة ممكنة، كانت تسمى "العدة الحولاء" (عام كامل)، وكان هذا تشديدًا وعنتًا على المرأة.
فلما وضعت سُبيعة حملها بعد وفاة زوجها بفترة وجيزة، شُغِلَ بالها وسألت: هل انتهت عدتي بمجرد وضع الحمل، أم يجب عليّ الانتظار؟ وكانت تتوقع أن تنتظر عدة الوفاة الكاملة (أربعة أشهر وعشرة أيام) من لحظة الوفاة، بغض النظر عن وضع الحمل.
فجاءت إلى النبي ﷺ تستفتيه في أمرها، فأخبرها النبي ﷺ بحكم الله تعالى الذي أنزله رحمة بالعباد وتيسيرًا عليهم، فقال لها: «قد حللتِ فانكحي من شئتِ». أي أن عدتك قد انتهت بمجرد وضعكِ للحمل، وقد أصبحت حلالاً للخطبة والزواج، فلا حرج عليكِ أن تتزوجي من تريدين.

---

# 3. الدروس المستفادة والعبر:

1- رحمة الإسلام ويسره: جاء هذا الحديث ليبين كيف أن الإسلام رفع الحرج والتشديد الذي كان في الجاهلية. فعدة المرأة المتوفى عنها زوجها الحامل تنتهي بوضع الحمل، سواء كان ذلك بعد ساعة من وفاة زوجها أو بعد أشهر، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4]. هذه رحمة عظيمة بالمرأة.
2- الفقه الدقيق في مسائل العدة: الحديث أصل عظيم في باب العدة، وخاصة عدة الوفاة للمرأة الحامل. فهو يحدد أن عدة الحامل من وفاة زوجها هي أقصر الأجلين: بين انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام من الوفاة، أو وضع الحمل. فإذا وضعت حملها قبل انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام، انتهت عدتها. وهذا حكم مجمع عليه.
3- إبطال العادات الجاهلية: الإسلام ينهى عن التقليد الأعمى والعادات البالية التي لا تستند إلى دليل شرعي، ويأتي بالحكم العادل الذي يراعي ظروف الناس.
4- حرص الصحابة على تعلم الأحكام: حرص سبيعة رضي الله عنها على سؤال النبي ﷺ لتعرف الحكم الشرعي الصحيح، ودقة الصحابة في نقل هذه الوقائع ليتعلم منها الأمة.
5- إذن المرأة في الزواج بعد انقضاء عدتها: الحديث يدل على أن المرأة إذا انتهت عدتها، فلها الحق في أن تختار زوجًا جديدًا، وأن تتزوج بكرامة وعفاف دون أي حرج.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث من الأحاديث التي عمل بها جمهور العلماء (الشافعية، والحنابلة، والمالكية، والحنفية) في مسألة عدة الحامل المتوفى عنها زوجها.
* القصة تدل على أن عدة المرأة الحامل من طلاق أو وفاة تنتهي بوضع الحمل، وهذا الحكم ثابت بالقرآن والسنة.
* في هذا الحديث تيسير كبير على المرأة، ورفع للمشقة عنها، خاصة إذا كانت في حاجة إلى الزواج لتعف نفسها أو لتربية أولادها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.