ليس لها سكنى ولا نفقة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
الحديث الشريف:
عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المطلقة ثلاثًا قال: «لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةَ».
(رواه مسلم في صحيحه)

---

شرح الحديث:

---

# 1. شرح المفردات:

● المطلقة ثلاثًا: هي المرأة التي حصل عليها الطلاق الأخير (الثالث) الذي يفسخ عقد الزواج بينها وبين زوجها فصارت أجنبية عنه، ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.
● سُكْنَى: حق الإقامة في بيت الزوجية.
● نَفَقَةَ: حق الإنفاق عليها من طعام وشراب وكسوة ونحو ذلك.

---

# 2. شرح الحديث:

يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حكمًا مهمًا من أحكام الطلاق، وهو أن المرأة إذا طُلقت الطلاق البائن (وهو الطلاق الثالث الذي لا رجعة فيه) فإنها تفقد حقين كانا ثابتين لها في حال بقاء الزوجية أو أثناء عدّة الطلاق الرجعي:
● حق السكنى: فلا يجوز لها البقاء في بيت زوجها، بل يجب عليها الخروج لانقطاع علاقة الزوجية بينهما.
● حق النفقة: فلا يجب على الزوج أن ينفق عليها من مالٍ أو طعامٍ أو كسوة، لأنها لم تعد زوجة له.

---

# 3. الدروس المستفادة منه:

1- بيان حكمة الشريعة: الشريعة الإسلامية تنظم العلاقات بين الناس بدقة وعدل. فإذا انقطعت علاقة الزوجية، انقطعت تبعاتها من حقوق وواجبات، إلا ما استثناه الدليل كحقها في السكنى والنفقة خلال عدّة الطلاق الرجعي.
2- الفرق بين الطلاق الرجعي والبائن: الحديث يوضح الفرق الجوهري في الأحكام بينهما. ففي الطلاق الرجعي (الأول والثاني) تبقى المرأة في عصمة زوجها ويجب عليه نفقتها وسكناها خلال العدة، أما في البائن (كالثلاث) فتنقطع جميع الحقوق.
3- الحث على التبصر في الطلاق: هذا الحكم فيه تحذير من التسرع في إيقاع الطلاق البائن، لما يترتب عليه من مفارقة المرأة وانقطاع الحقوق، مما قد يسبب مشقة للطرفين.
4- العدل مع المرأة: الحديث ليس انتقاصًا من حق المرأة، بل هو بيان لحقوقها بدقة. فإذا انتهت العدة، أصبحت حرة في التصرف في شأنها، ولا تبقى مرتبطة بمن لم يعد زوجًا لها.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحكم (عدم وجوب السكنى والنفقة) خاص بالمرأة المطلقة طلاقًا بائنًا. أما المطلقة طلاقًا رجعيًا فلها السكنى والنفقة كاملة خلال عدتها، لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6].
- إذا كانت المطلقة طلاقًا بائنًا حاملًا، فلها النفقة فقط (وليس السكنى على الراجح عند العلماء) حتى تضع حملها، لقول الله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6].
- هذا الحديث هو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الراجح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.