وضعت سبيعة بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
شرح الحديث:
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث صحيح ثابت.
أولاً: شرح المفردات:
* أبو السنابل بن بعكك: هو صحابي جليل، راوي الحديث.
* سُبيعة: هي سبيعة الأسلمية، صحابية جليلة، وهي المرأة التي وقعت لها هذه القصة.
* وضعتْ: أي ولدتْ.
* بعد وفاة زوجها: توفي زوجها وهي حامل منه.
* تعلّتْ: من التَعَلِّي، أي انقضت عدتها وانتهت. والعدة هنا هي عدة الوفاة، وهي أربعة أشهر وعشراً.
* تشوّفتْ للنكاح: اشتدت رغبتها وحاجتها للزواج والتزوج. والشوق هنا بمعنى الرغبة الملحة.
* فأنكر عليها: استنكر الناس عليها سرعة رغبتها في الزواج بعد وفاة زوجها بفترة قصيرة، ظناً منهم أن عدتها لم تنقض بعد.
* فقد حلَّ أجلُها: أي انقضت عدتها وحل لها الزواج. والأجل هنا هو الوقت المحدد للعدة.
ثانياً: شرح الحديث إجمالاً:
تقص القصة أن الصحابية الجليلة سبيعة الأسلمية رضي الله عنها كانت حاملاً من زوجها سعد بن خولة، الذي توفي عنها. ثم بعد وفاته بثلاثة وعشرين أو خمسة وعشرين يوماً فقط، وضعت حملها (أي ولدت).
وبعد أن وضعت حملها، انقضت عدتها (لأن عدة الحامل تنتهي بوضع الحمل، كما قال تعالى: *وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ* [الطلاق: 4])، فاشتدت حاجتها ورغبتها في الزواج. فلما أبدت رغبتها هذه، استنكر بعض الناس عليها ذلك، وظنوا أن عليها أن تنتظر حتى تتم أربعة أشهر وعشراً (وهي عدة الوفاة للمرأة غير الحامل).
فبلغ الأمر النبي ﷺ، فأفتاهم بأنها قد حلَّ أجلها (أي انتهت عدتها) بمجرد وضعها للحمل، فحل لها أن تتزوج من شاءت ولا حرج عليها في ذلك.
ثالثاً: الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
1- بيان حكم عدة المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها: وهي أن عدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء طالت المدة أو قصرت. وهذا الحكم ثابت بالقرآن والسنة وإجماع العلماء.
2- رفع الحرج عن المسلمين: بين النبي ﷺ الحكم الشرعي بوضوح ليزيل ما في نفوس الناس من استنكار ويلغي العرف الذي قد يخالف الشرع. فالحكم للشرع وليس للعادات.
3- جواز إبداء المرأة رغبتها في الزواج عند الحاجة: إذا انقضت عدتها، فلا بأس أن تشعر بالرغبة في الزواج وأن تظهر ذلك بطرق شرعية.
4- الحكمة من عدة الوفاة: المقصود منها إظهار الحزن على الزوج وترك الزينة، واحترام حق الزوج، وانتظار براءة الرحم. وقد حققت سبيعة هذه المقاصد.
5- الرد على من يمنع المرأة من الزواج بعد انقضاء عدتها بدعوى العرف أو قلة المدة: فالمعيار هو انقضاء العدة شرعاً، وليس مقدار الوقت الذي مضى.
6- حرص الصحابة على سؤال النبي ﷺ في المسائل المستجدة: وعدم الاكتفاء بآرائهم، مما يدل على توقيرهم للشرع.
رابعاً: معلومات إضافية:
* هذا الحديث أصل عظيم في باب العدد، ويعتمد عليه الفقهاء في استنباط حكم عدة الحامل.
* القصة تدل على عفة سبيعة رضي الله عنها، حيث لم تتطلع للزواج إلا بعد أن تأكدت من حلّه شرعاً بانقضاء عدتها.
* فيه دليل على سماحة الإسلام ومراعاته للظروف الإنسانية والحاجات الطبيعية للناس.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.