من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، معتمدًا على كلام أهل العلم من أهل السنة والجماعة:

---

نص الحديث:

عن أبي هريرة قال: كنا قُعودًا حول رسول اللَّه ﷺ معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول اللَّه ﷺ من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يُقتطع دوننا وفزِعنا فقمنا. فكنت أوّلَ من فزع، فخرجت أبتغي رسول اللَّه ﷺ حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النّجار فَدُرْتُ به هل أجد له بابًا، فلم أجدْ فإذا ربيعٌ يدخل في جوف حائط من بئر خارجة (والربيع: الجدول) فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت على رسول اللَّه ﷺ، فقال: «أبو هريرة؟»: فقلت: نعم يا رسول اللَّه، قال: «ما شأنُك؟». قلت: كنتَ بين أظهرنا فقمتَ فأبطأتَ علينا فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا فكنت أوّلَ من فزع، فأتيتُ هذا الحائطَ فاحتفزت كما يحتفز الثّعلبُ وهؤلاء الناس ورائي. فقال: «يا أبا هريرة» وأعطاني نعليه قال: «اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيتَ من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا اللَّه مستقينا بها قلبُه فبشّرْه بالجنة». فكان أولَ من لقيتُ عمرَ. فقال: ما هاتان النّعلان يا أبا هريرة؟ فقلت: هاتان نعلا رسول اللَّه ﷺ بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا اللَّه مستيقنًا بها قلبه بشّرته بالجنة. فضرب عمر بيده بين ثدييّ فخررتُ لإسْتِي فقال: ارجعْ يا أبا هريرة. فرجعت إلى رسول اللَّه ﷺ فأجهشتُ بكاءً ورَكبني عمرُ فإذا هو على أثري. فقال لي رسول اللَّه ﷺ: «ما لك يا أبا هريرة؟». قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعتني به فضرب بين ثديي ضربة خررتُ لإسْتي. قال: ارجع فقال له رسول اللَّه ﷺ: «يا عمر ما حملك على ما فعلتَ؟» قال: يا رسول اللَّه، بأبي أنت وأمي! أبعثتَ أبا هريرة بنعليك، من لقي يشهد أن لا إله إلا اللَّه مستيقنا بها قلبُه بشَّرَه بالجنة؟ قال: «نعم». قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلِّهم يعملون. قال رسول اللَّه ﷺ: «فخلِّهم».

---

1. شرح المفردات:

● فأبطأ علينا: تأخر في الرجوع إلينا.
● يُقتطع دوننا: يُؤخذ منا ويختطف.
● فزِعنا: خفنا وخشينا.
● حائط: بستان أو حديقة ذات سور.
● بني النجار: قبيلة من الأنصار في المدينة.
● ربيع: جدول ماء صغير.
● احتفزت: تضاممت وتقلصت حتى استطعت الدخول من مكان ضيق.
● مستيقنا بها قلبه: يوقن بها قلبه ويؤمن إيمانًا كاملاً بدون شك.
● أجهشت بكاءً: فتحت فمي وأنا أبكي بشدة.
● ركبني عمر: أدركني عمر وتبعني.
● يتكل الناس عليها: يعتمد الناس على هذه البشارة ويتركوا العمل.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يصور هذا الحديث موقفًا حصل مع الصحابة رضي الله عنهم، حيث كانوا جالسين مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فانقطع عنهم فترة، فخافوا عليه، فتتبعوه أبو هريرة رضي الله عنه حتى وجده في بستان، فأعطاه نعليه وأمره أن يبشر بالجنة كل من لقيه من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله موقنًا بها. فلقي أبو هريرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره، فأنكر عمر ذلك وخشي أن يتكل الناس على الشهادة دون عمل، فرجع أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم باكيًا، وأتى عمر فشرح وجهة نظره، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم رأي عمر.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- محبة الصحابة للنبي ﷺ وحرصهم عليه: حيث فزعوا عندما تأخر عنهم وخافوا أن يصيبه مكروه.
2- اجتهاد أبي هريرة وحرصه: حيث كان أول من فزع وذهب يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم بكل وسعة.
3- عظمة شهادة أن لا إله إلا الله: فهي المفتاح الأساسي لدخول الجنة، ولكن بشروطها من الإيمان واليقين.
4- حكمة عمر بن الخطاب وفقهه: حيث خشي أن يتكل الناس على مجرد النطق بالشهادة دون عمل أو إيمان حقيقي.
5- قبول النبي ﷺ للنصيحة والرأي السديد: وهذا من تواضعه وحكمته صلى الله عليه وسلم، حيث قبل رأي عمر وقال: "فخلهم".
6- التوازن بين الرجاء والخوف: فلا يجوز للمسلم أن يتكل على رحمة الله دون عمل، ولا أن يقنط من رحمة الله.
7- الأخذ بالأحوط في الأمور الشرعية: وهذا ما فعله عمر رضي الله عنه عندما خشي من سوء فهم الناس للنص.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث الصحيحة.
- فيه دليل على أن الإيمان لا يكمل بمجرد النطق بالشهادة، بل لابد من اليقين والعمل الصالح.
-