قدم رسول الله ﷺ وفرح أهل المدينة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث عظيم يروي لنا قصة هجرة النبي ﷺ إلى المدينة المنورة من خلال عين شاهد عيان، وهو الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه، الذي كان فتىً صغيراً آنذاك.
وفيما يلي الشرح الوافي للحديث، مقسماً بحسب طلبك:

---

1. شرح المفردات:

* قدم علينا: جاء إلينا قادماً من مكة إلى المدينة.
* يقرئان الناس: يعلمانهم القرآن الكريم ويُلقّنونهم إياه.
* الإماء: جمع أَمَة، وهي الجارية أو الخادمة.
* يقلن: يقلن ويُرددن.
* المفصّل: هو آخر أجزاء المصحف الشريف، ويبدأ من سورة (ق) إلى سورة (الناس) على أرجح الأقوال. وسُمي بالمفصّل لكثرة الفصول بين سوره بالبسملة.

---

2. شرح الحديث:

يصف لنا الصحابي البراء بن عازب رضي الله عنه المراحل الأولى لتأسيس دولة الإسلام في المدينة المنورة، والتي بدأت بهجرة الصحابة الكرام تباعاً:
* المرحلة الأولى - البعثة التعليمية: كان أول من هاجر إلى المدينة هما مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنهما. لم يكن قدومهما لمجرد اللحاق بالمسلمين فحسب، بل كان لهما مهمة عظيمة وجليلة، وهي تعليم أهل المدينة القرآن الكريم وأحكام الإسلام. وهذا يدل على أن أول لبنة في بناء الدولة الإسلامية كانت البناء التعليمي والتربوي؛ فالعلم هو الأساس.
* المرحلة الثانية - هجرة العمود الفقري للدعوة: ثم هاجر بعد ذلك مجموعة من كبار الصحابة وأصحاب المواقف العظيمة وهم بلال بن رباح (مؤذن الإسلام)، وسعد بن أبي وقاص (أحد العشرة المبشرين بالجنة)، وعمار بن ياسر (وابن أمه سمية أول شهيدة في الإسلام) رضي الله عنهم أجمعين. هؤلاء يمثلون السواعد الأولى والقوة الإيمانية التي ستدعم الدولة الناشئة.
* المرحلة الثالثة - هجرة القوة والمنعة: ثم هاجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الفاروق، ولم يهاجر وحيداً بل كان معه عشرون من أصحاب النبي ﷺ. وقوة عمر الشخصية وشجاعته المعروفة،再加上 هذه المجموعة الكبيرة، أعطت للمسلمين في المدينة منعة وقوة كبيرة، وهيأ الأجواء لأعظم حدث في التاريخ.
* المرحلة الرابعة - ذروة الفرح: هجرة النبي ﷺ: ثم بعد كل هذا التمهيد والتأسيس، حدث الأمر الذي كان الجميع ينتظره بفارغ الصبر: هجرة النبي ﷺ نفسه. يصف البراء بن عازب مشهد الفرح العظيم الذي عم المدينة، حتى أن الخادمات والإماء كن يعلنّ هذا الخبر ويفرحن به في الطرقات، وهذا يدل على أن الفرح كان عاماً وشاملاً لكل شرائح المجتمع.
* الدليل على المدة: ثم يذكر البراء رضي الله عنه دليلاً على أن هذه الأحداث استغرقت فترة ليست بالقصيرة، فهو يقول: "فما قدم (أي النبي ﷺ) حتى قرأتُ سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سور من المفصّل". أي أن البراء الذي كان صبياً يافعاً عند وصول مصعب، قد تعلم القرآن وتقدم في حفظه حتى وصل إلى أواخر المصحف (المفصّل) بحلول وقت وصول النبي ﷺ.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- أهمية التخطيط والترتيب: هجرة النبي ﷺ لم تكن حدثاً عشوائياً، بل كانت مخططة بدقة. بدأت بإرسال من يعلم الناس ويهيئهم إيمانياً وتربوياً (مصعب وابن أم مكتوم)، ثم هاجر من يشد أزرهم (بلال، سعد، عمار)، ثم هاجر من يعزز وجودهم ويوفر الحماية (عمر والمجموعة معه)، وأخيراً جاء قائد الدولة ورأسها ﷺ.
2- الاهتمام بالتعليم ونشر العلم: كانت أولى أولويات المسلمين في المدينة هي تعليم القرآن، مما يدل على أن العلم هو أساس بناء الأفراد والمجتمعات.
3- مكانة الصحابة وفضلهم: الحديث يسرد فضل هؤلاء الصحابة والسابقين إلى الهجرة، الذين تحملوا المشاق في سبيل إعلاء كلمة الله.
4- محبة النبي ﷺ: الحديث يصور أروع صورة لمحبة أصحاب النبي ﷺ له وفرحهم بلقائه، وهي محبة فطرية نابعة من الإيمان.
5- الصبر وطول النفس: بناء المشاريع العظيمة requires الصبر وعدم الاستعجال، كما حدث في تأسيس الدولة الإسلامية.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* مصعب بن عمير رضي الله عنه كان يُسمى "المقرئ الأول" و"سفير الإسلام" الأول، حيث كان أول من مثل الإسلام في المدينة في بيعة العقبة الأولى والثانية.
* فرح أهل المدينة بالنبي ﷺ لم يكن فرحاً عاطفياً فقط، بل كان فرحاً ببدء مرحلة جديدة من قوة الإسلام وانتشاره، بعد سنوات من الاضطهاد في مكة.
* يستفاد من الحديث أيضاً فضل المدينة المنورة وأنها كانت دار هجرة وإيمان، واستقبلت النبي ﷺ وأصحابه أحسن استقبال.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يرزقنا حب نبيه ﷺ واتباع سن