يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبيل الذي يصور موقفًا من مواقف الدعوة الإسلامية في مكة، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث:
عن أشعث قال: حدثني شيخ من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله ﷺ بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: «يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا». قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: يا أيها الناس لا يغرنكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزى، قال: وما يلتفت إليه رسول الله ﷺ قال: قلنا: انعتْ لنا رسول الله ﷺ قال: بين بردين أحمرين، مربوع، كثير اللحم، حسن الوجه، شديد سواد الشعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشعر.

---

1. شرح المفردات:

* سوق ذي المجاز: سوق من أسواق العرب الشهيرة في الجاهلية قرب مكة، كان يقام في موسم الحج للتجارة والتفاخر.
* يتخللها: يمشي بين الناس في أجناسهم وأماكن تجمعهم.
* يحثي عليه التراب: يرمي التراب عليه أو نحو وجهه الشريف إهانةً واستهزاءً.
* اللات والعزى: صنمان من أصنام العرب الكبرى التي كانوا يعبدونها من دون الله.
* ما يلتفت إليه: لا يصرف النبي ﷺ نظره أو اهتمامه لهذا الأذى، متجاهلًا له ومصممًا على دعوته.
* انعت لنا: صف لنا واشرح هيئته.
* بين بردين أحمرين: يلبس إزارًا ورداءً (لباسًا) من الصوف الأحمر.
* مربوع: متوسط الطول، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير.
* كثير اللحم: ليس بسمين متناهٍ، بل ممتلئ الجسم، قوي البنية.
* سابغ الشعر: شعر رأسه ﷺ كثيف، يصل إلى شحمة أذنيه أو إلى منكبيه.

---

2. شرح الحديث:

يصف هذا الحديث المشهد العظيم لرسول الله ﷺ وهو يؤدي مهمة الدعوة إلى الله في أشد الأوقات صعوبة، في مكة، قبل الهجرة. كان ﷺ يذهب إلى الأسواق والقبائل في مواسم الحج لعرض دعوته على الناس.
* موقف الدعوة: يتحرك النبي ﷺ في "سوق ذي المجاز" بين القبائل المختلفة، داعيًا إياهم إلى كلمة التوحيد الخالص "لا إله إلا الله"، وهي أساس الإسلام وأعظم دعوة. وعدهم ﷺ بالفلاح، وهو الفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة.
* موقف العداء: يقف أبو جهل (عمرو بن هشام)، وهو من أشد أعداء الإسلام، ليعارض هذه الدعوة محذرًا الناس منها. كان يرمي التراب على النبي ﷺ إمعانًا في الإيذاء والاستهزاء، ويدعي أن غرض النبي هو صرفهم عن دين آبائهم الباطل (عبادة الأصنام مثل اللات والعزى).
* موقف الصبر والثبات: رغم هذا الأذى الفظيع والاستهزاء، لم يلتفت النبي ﷺ إلى أبي جهل أو يرد عليه برد فعل غاضب. لقد تحلى بأعلى درجات الصبر والثبات على الحق، وواصل دعوته مركزًا على رسالته، غير مكترث بالمؤذين. هذا التجاهل قمة في الحكمة والثقة بنصر الله.
* وصف النبي ﷺ: طلب الراوي من الشيخ الذي رأى النبي أن يصفه، فذكر أوصافًا جسدية تطابق ما ورد في الأحاديث الصحيحة الأخرى، مما يؤكد صدق روايته. كان ﷺ معتدل القامة، قوي البنية، أبيض البشرة مشربًا بحمرة، شديد جمال الوجه، شديد سواد الشعر مع كثافته.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- عظمة الدعوة إلى التوحيد: البيان الواضح أن أول وأعظم واجب على الداعية هو دعوة الناس إلى كلمة "لا إله إلا الله" التي هي مفتاح الجنة وسبب الفلاح.
2- الصبر على الأذى في سبيل الله: طريق الدعوة محفوف بالمكاره والأذى من المعارضين، والصبر على ذلك هو سمة الأنبياء والدعاة المخلصين.
3- الحكمة في التعامل مع المعارضة: عدم الرد على كل مستفزّ والتركيز على الهدف الأسمى (إبلاغ الرسالة) هو من أعلى درجات الحكمة. التجاهل أحيانًا أقوى من الرد.
4- ثبات القلب على الحق: ثبات النبي ﷺ وعدم تزعزعه رغم الإيذاء المادي (رمي التراب) والمعنوي (الاستهزاء والتكذيب) درس عظيم في الثقة بالله ووعده.
5- بيان شجاعة النبي ﷺ: خروجه ﷺ وحيدًا يدعو قومًا يعادونه ويؤذونه دليل على شجاعته الفائقة وإيمانه العميق.
6- التعرف على هيئة النبي ﷺ: وصف هيئته ﷺ يغرس محبته في قلوب المؤمنين ويعرفهم بصفاته التي هي أكمل الصفات.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث رواه الإمام أحمد في "مسنده" وحسنه الشيخ الألباني لغيره.
* يظهر هذا الموقف جانبًا من جوانب "الجلد والصبر" التي اتصف بها رسول الله ﷺ طيلة فترة الدعوة في مكة.
* كان أبو جهل من ألد أعداء الإسلام، وقد قُتل كافرًا في غزوة بدر، فحق عليه وعيد الله.
* ذكر الشيخ وصف النبي