تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

حديث: تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع: فأجاز رسول الله ﷺ حتى أتى عرفة، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنَزَل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، وقال: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعًا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال بإصبعه السبابة - يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس -
: «اللهم اشهد، اللهم اشهد» ثلاث مرات.

صحيح: رواه مسلم في الحج (١٢١٨) من طرق عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، فذكره في حديث طويل.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قصة حجة الوداع من الأحاديث العظيمة التي تضمنت خطبة النبي ﷺ في أعظم مجمع، وفي آخر أيام حياته، فكانت بمثابة الوصية الجامعة للأمة. وفيما يلي شرح مفصل للحديث:

1. شرح المفردات:

● زاغت الشمس: مالت عن كبد السماء، أي عند زوالها وقت الظهر.
● بطن الوادي: وسط الوادي، وهو مكان خطبة عرفة.
● كحرمة يومكم هذا: أي حرمة الدماء والأموال كحرمة اليوم الحرام (يوم عرفة) والشهر الحرام (ذو الحجة) والبلد الحرام (مكة).
● تحت قدمي موضوع: أي مُلغى ومُبطَل.
● مسترضعًا: كان مُرْضَعًا عند قبيلة بني سعد.
● ربا الجاهلية: الزيادة في القروض التي كانت معروفة في الجاهلية.
● غير مبرح: غير شديد، أي ضربًا خفيفًا للتأديب.
● ينكتها: يشير بها.

2. شرح الحديث:

في هذا الحديث يصف جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مشاهد من حجة الوداع، حيث نزل النبي ﷺ بنمرة (موقف قريب من عرفة) ثم تحرك إلى بطن وادي عرفة بعد الزوال، وهناك ألقى هذه الخطبة الجامعة التي تضمنت:

# أ. تحريم الدماء والأموال:

أكد النبي ﷺ على حرمة الدماء والأموال، وشبه حرمتها بحرمة الزمان والمكان (يوم عرفة، شهر ذو الحجة، مكة المكرمة)، مما يدل على عظم هذه الحرمة.

# ب. إلغاء أمور الجاهلية:

أعلن ﷺ أن كل أمور الجاهلية من حمية وعصبية وثأر وعبادات باطلة قد أُلغيت، وبدأ بتطبيق ذلك عمليًا بوضع أول دماء الجاهلية، وهو دم ابن ربيعة بن الحارث، الذي قتلته هذيل خطأً، فأسقط النبي ﷺ ديته وألغى الثأر الجاهلي.

# ج. تحريم الربا:

أعلن إلغاء الربا كله، وبدأ بربا عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه (عم النبي) ليكون قدوة في تطبيق التحريم، مما يدل على عدل الإسلام ومساواته بين الناس.

# د. الوصية بالنساء:

أمر ﷺ بالتقوى في حقوق النساء، وذكّر بأنهن أُخذن بأمانة الله، وأن عصمتهن تكون بكلمة الله (عقد النكاح). وبيّن حقوق الزوجين:
- حق الزوج: أن لا تُدخل المرأة أحدًا يكرهه الزوج في بيته.
- حق الزوجة: النفقة والكسوة بالمعروف.
- وأرشد إلى طريقة التأديب عند النشوز (ضرب غير مبرح)، وهو ضرب خفيف لا يسبب أذى.

# هـ. التمسك بالقرآن:

أخبر ﷺ أنه ترك في الأمة ما يمنعها من الضلالة إن تمسكت به، وهو كتاب الله وسنته.

# و. الاستشهاد بالله والأمة:

سأل الناس: "ما أنتم قائلون؟" فأجابوا: "نشهد أنك بلغت وأديت ونصحت"، فرفع إصبعه إلى السماء وقال: "اللهم اشهد" ثلاثًا، مما يدل على عظم هذه الوصية وحرصه ﷺ على تبليغ الرسالة.

3. الدروس المستفادة:

1- عظم حرمة الدماء والأموال في الإسلام، وأن الاعتداء عليها من كبائر الذنوب.
2- العدل والمساواة في تطبيق الأحكام، حتى على أقرباء النبي ﷺ.
3- الاهتمام بحقوق المرأة والوصية بها، مع التوازن بين حقوق الزوجين.
4- إبطال العادات الجاهلية المخالفة للشرع، مثل الثأر والربا.
5- التمسك بالقرآن والسنة سبيل النجاة من الضلال.
6- حرص النبي ﷺ على البلاغ واستشهاد الأمة على تبليغ الرسالة.

4. معلومات إضافية:

- هذه الخطبة كانت في حجة الوداع ( السنة العاشرة للهجرة)، وهي آخر خطبة عامة للنبي ﷺ.
- اشتملت على جوامع الكلم، حيث جمعت أصول الحقوق والأخلاق.
- رواها الإمام مسلم في صحيحه، وهي من الأحاديث المتواترة في كتب السنة.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على التمسك بكتابه وسنة نبيه ﷺ.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في الحج (١٢١٨) من طرق عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، فذكره في حديث طويل.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 795 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

📜 حديث: تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية