رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار - الأحاديث الصحيحة
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الكتب الستة
باب ما جاء في رؤية المؤمنين ربّهم يوم القيامة دون الكفّار
وقال تعالى عن الكفّار: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [المطّففين: ١٥ - ١٧]. أي: الكفّار.
قال الشّافعيّ: «هذه الآية دليل على أنّ المؤمنين يرونه ﷿ يومئذ».
قال ابن كثير: «وهذا الذي قاله الإمام الشّافعيّ رحمه اللَّه تعالى في غاية الحسن، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية، كما دلّ عليه منطوق قوله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، وكما دلّت على ذلك الأحاديث الصّحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربّهم ﷿ في الدّار الآخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة، وفي روضات الجنات الفاخرة» انتهى.
قال الأعظمي: وذلك كرامة منه لهم.
وقوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [سورة يونس: ٢٦]، فقد رُوي أن الزيادة هي النظر إلى اللَّه ﷾ وأسند إلى أبي بكر الصديق وغيره من الصّحابة والتّابعين.
قول الأئمة من أهل السنة في رؤية اللَّه ﵎ يوم القيامة:
قال مالك رحمه اللَّه تعالى: «الناس ينظرون إلى اللَّه تعالى يوم القيامة بأعينهم». الشّريعة للآجريّ (٥٧٤).
وقال الإمام أحمد: «من قال: إنّ اللَّه تعالى لا يُرى في الآخرة فقد كفر، وعليه لعنة اللَّه وغضبه. أليس اللَّه ﷿ يقول: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ وقال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ هذا دليل على أنّ المؤمنين يرون اللَّه تعالى». الشّريعة للآجريّ (٥٧٧).
وأمّا قوله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الأنعام: ١٠٣] فمعناه عند أهل العلم أي لا تحيط به الأبصار ولا تحويه ﷿، وهم يرونه من غير إدراك، ولا يشكّون في رؤيته كما يقول الرّجل: رأيتُ السّماء وهو صادق، ولم يحط بصرُه بكلّ السماء ولم يدركها، وكما يقول الرّجل: رأيت البحر، وهو صادق، ولم يدركه بصره كلّ البحر، ولم يُحطه ببصره. ذكره الآجريّ في الشّريعة (٢/ ١٠٤٨).
ليلة البدر فقال: «أما إنّكم سترون ربَّكم كما ترون هذا القمر، لا تُضامّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشّمس، وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا».
متفق عليه: رواه البخاريّ في التوحيد (٧٤٣٤)، ومسلم في المساجد (٦٣٣) كلاهما من طريق إسماعيل بن أبي خالد، ثنا قيس بن أبي حازم، قال سمعتُ جرير بن عبد اللَّه، فذكره.
وزاد مسلمٌ: «ثم قرأ جرير: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [سورة طه: ١٣]».
وقوله: «لا تضامّون» يجوز فيه ضم التاء وفتحها، وهو بتشديد الميم من الضّم، أي لا ينضم بعضكم إلى بعض، ولا يقول: أرنيه، بل كلٌّ ينفرد برؤيته.
متفق عليه: رواه البخاريّ في الأذان (٨٠٦)، وفي الرّقاق (٦٥٧٣)، ومسلم في الإيمان (١٨٢) كلاهما من حديث أبي اليمان، قال: أخبرنا شعيب، عن الزّهريّ، قال: أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد اللّيثيّ، أنّ أبا هريرة أخبرهما، فذكر الحديث بطوله، وهو مخرّج في حديث الصّراط.
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (٤٥٨١)، ومسلم في الإيمان (١٨٣)، كلاهما من حديث حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، فذكر الحديث في سياق طويل. انظر: باب الصّراط جسر على جهنّم.
متفق عليه: رواه البخاريّ في التوحيد (٧٤٤٤)، ومسلم في الإيمان (١٨٠) كلاهما من حديث عبد العزيز بن عبد الصّمد، عن أبي عمران الجونيّ، عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه، فذكر الحديث، ولفظهما سواء.
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (١٨١) عن عبيد اللَّه بن عمر بن ميسرة، قال: حدثني عبد الرحمن بن مهدي، حدّثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البنانيّ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صُهيب، فذكر الحديث.
ورواه أيضًا من طريق يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد وزاد: «ثم تلا هذه الآية: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [سورة يونس: ٢٦]».
وقد جاء عن جمع من أهل العلم من الصّحابة والتابعين: أنّ قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ قالوا: الزّيادة هي النّظر إلى وجه ربّهم عز وجل، ذكره ابن خزيمة في كتاب التوحيد (١/ ٤٠٢ - ٤٠٣) وعزاه إلى عدد من أهل العلم.
صحيح: رواه مسلم في الفتن (٢٩٣٠) عن حرملة بن يحيى، قال: أخبرني ابنُ وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، بإسناده في حديث طويل في قصة ابن صيّاد.
متفق عليه: رواه البخاريّ في التفسير (٤٦٨٥)، ومسلم في التوبة (٢٧٦٨) كلاهما من طريق هشام الدّستوائيّ، عن قتادة، عن صفوان بن محرز، قال: قال رجل لابن عمر، فذكره، واللّفظ لمسلم.
قوله: «كنفه» أي جانبه وناحيته.
صحيح: رواه مسلم في الإيمان (١٩١) من طرق عن روح بن عبادة القيسيّ، حدثنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد اللَّه بسأل عن الورود، فذكر مثله في حديث طويل مخرج بكامله في حديث الصّراط.
وقوله: «كذا وكذا - انظر» هذا كلّه تحريف وقع في المتن، كما سبق بيانه في باب الضّحك.
قال يزيد: «تروا ربّكم حتى تموتوا».
حسن: رواه الإمام أحمد (٢٢٧٦٤) وولده عبد اللَّه عن أبيه في السنة (١٠٠٧)، وعثمان بن سعيد الدّارميّ في الرّد على الجهمية (١٨٢)، والبزّار في البحر الزّخار (٢٦٨١)، وابن أبي عاصم في السنة (٤٢٨)، والآجريّ في الشريعة (٨٨١) كلهم من طرق عن بقيّة، قال: حدّثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عمرو بن الأسود، عن جُنادة بن أبي أميّة، أنّه حدّثهم عن عبادة بن الصّامت، فذكره، واللّفظ لأحمد.
والحديث سبق ذكره في باب ما جاء بأنّ أحدًا لن يرى اللَّه عز وجل حتى يموت.
صحيح: رواه النسائيّ (١٣٠٥) عن يحيى بن حبيب بن عربي، قال: حدّثنا حمّاد، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، فذكره.
وصحّحه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (١٢) وعنه ابن حبان في صحيحه (١٩٧١)، والحاكم (١/ ٥٢٤)، والدارميّ في الرّد على الجهمية (١٨٨) كلهم من طريق حماد بن زيد، بإسناده، مثله، في حديث طويل. انظر: إثبات الوجه.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد».
وهو كما قال فإن عطاء بن السائب ثقة وثقه الأئمة إلا أنه اختلط، ولكن روى حماد بن سلمة
عنه قبل اختلاطه.
ورواه النسائيّ (١٣٠٦)، وأحمد (٤/ ٢٦٤)، والطبرانيّ في الدّعاء (٦٢٥) من وجه آخر وفيه شريك وهو ابن عبد اللَّه القاضي سيء الحفظ، ولكن لا بأس به في المتابعات.
قدميه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تخرّ يد وتعلق يد تخرّ رجل وتعلق رجل ويصيب جوانبه النّار، فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها، ثم قال: الحمد للَّه لقد أعطاني اللَّه ما لم يعط أحدًا أن نجاني منها بعد إذ رأيتها. قال: فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب، فيقول: ربِّ أدخلني الجنّة. فيقول اللَّه له: أتسأل الجنة وقد نجيتك من النّار؟ فيقول: ربّ اجعل بيني وبينها حجابا. لا أسمع حسيسها. قال: فيدخل الجنة. قال: فيرى أو يرفع له منزلًا أمام ذلك كأنما هو فيه إليه حلم. فيقول: ربّ أعطني ذلك المنزل. فيقول له: فلعلّك إن أعطيتكهـ تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزّتِك لا أسألك غيره، وأيُّ منزل يكون أحسن منه؟ فيعطيه فينزله ويرى أمام ذلك منزلًا كأنما هو فيه إليه حلم، قال: رب أعطني ذلك المنزل فيقول اللَّه عز وجل له: فلعلك إن أعطيتكهـ تسأل غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، وأي منزل يكون أحسن منه، قال: فيعطى منزله، قال: ويرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما هو إليه حلم، فيقول: أعطني ذلك المنزل. فيقول اللَّه ﷻ: فلعلّك إنْ أعطيُتكَهُ تسأل غيره؟ قال: لا وعزّتِك لا أسألُك غيره وأيُّ منزلٍ يكون أحسن منه. قال: فيُعطاه فينزله، ثم يسكت، فيقول اللَّه عز وجل: ما لك لا تسأل؟ فيقول: ربّ لقد سألتُك حتى استحييتك وأقسمت لك حتى استحييتك. فيقول اللَّه تعالى: ألم ترضَ أن أعطيك مثل الدّنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتستهزئ بي وأنت ربُّ العِزّة، فيضحك الرّبُّ عز وجل من قوله. -قال: فرأيت عبد اللَّه بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك. فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدّث هذا الحديث مرارًا كلما بلغت هذا المكان ضحكتَ؟ - فقال: إنّي سمعت رسول اللَّه ﷺ يحدِّثُ هذا الحديث مرارًا كلّما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضَحِك حتى تبدو أضراسه. قال: فيقول الرّبُّ عز وجل: لا ولكني على ذلك قادر سَلْ، فيقول: ألحقني بالناس، فيقول: إلحق النّاس. قال: فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من النّاس، رفع له قصر من درّة فيخر ساجدًا. فيقال له: ارفع رأسك، مالك؟ فيقول: رأيت ربّي أو تراءى لي ربّي! فيقال له: إنّما هو منزل من منازلك. قال: ثم يلقى رجلًا فيتهيأ للسجود له، فيقال له: مَهْ مالك؟ فيقول رأيت أنك ملَك من الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن من
خزّانك، عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه. قال: فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درّة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة، جوهرة خضراء مبطنة بحمراء، كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كلّ جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة، يُرى مخُّ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها إذا أعرض عنها إعراضة ازدادتْ في عينه سبعين ضعفًا عمّا كانت قبل ذلك، وإذا أعرضتْ عنه إعراضة ازداد في عينها سبعين ضعفًا عمّا كان قبل ذلك. فيقول لها: واللَّه لقد ازددت في عيني سبعين ضعفًا! وتقول له: وأنت واللَّه لقد ازددت في عيني سبعين ضعفًا! فيقال له: أَشْرِفْ. قال: فيُشْرِفُ، فيقال له: ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره».
قال: فقال عمر: ألا تسمع ما يحدّثنا ابنُ أمِّ عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلًا، فكيف أعلاهم؟ فقال كعب: يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت إنّ اللَّه عز وجل جعل دارًا فجعل فيها ما شاء من الأزواج والثّمرات والأشربة ثم أطبقها ثم لم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب: قال: وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه. ثم قال: مَنْ كان كتابه في عليين نزل تلك الدّار التي لم يرها أحدٌ، حتّى إنّ الرّجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فما تبقى خيمة من خيم الجنّة إلا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح، هذا رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكهـ فقال: ويحك يا كعب، إنّ هذه القلوب قد استرسلتْ واقبضها. فقال كعب: والذي نفسي بيده! إنّ لجهنّم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر لركبتيه حتى إنّ إبراهيم خليل اللَّه ليقول: ربّ نفسي نفسي، حتى لو كان لك عمل سبعين نبيًّا إلى عملك لظننتَ أنّك لا تنجو.
حسن: رواه الطبرانيّ في الكبير (٩/ ٤١٦ - ٤٢١) من طريقين: عن علي بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان، ثنا عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدّالانيّ، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود.
ح وعن محمد بن النّضر الأزديّ وعبد اللَّه بن أحمد بن حنبل والحضرميّ قالوا: ثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحرانيّ، ثنا محمد بن سلمة الحرانيّ، عن أبي عبد الرحيم، عن زيد بن أبي
أنيسة، عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة بن عبد اللَّه، عن مسروق بن الأجدع، ثنا عبد اللَّه بن مسعود، فذكره.
والحديث في كتاب السنة (١٢٠٣) لعبد اللَّه بن أحمد.
ورواه ابن منده في التوحيد (٥٣١) من وجهين آخرين عن إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، بإسناده، مثله.
قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد (٤٦٨): «عندنا حديث عبد اللَّه بن مسعود بإسنادين متصلين، فروي من طريق أبي غسان وهو مالك بن إسماعيل البصريّ بإسناده مختصرًا.
والإسناد الثاني هو ما رواه عن محمد بن بشار، قال: حدثني يحيى وقرأه عليَّ من كتابي - قال: حدثنا سفيان، حدثنا سلمة -وهو ابن كُهيل- عن أبي الزّعراء، عن عبد اللَّه بن مسعود، فذكر الحديث مختصرًا.
وإلى هذا أشار ابن منده في كتاب التوحيد (٣/ ١٢٣) وقال: «عن ابن مسعود وفيه: «فتمثّل اللَّه للخلق ثم يأتيهم في صورته«وروى هذا الحرف أبو هريرة وأبو سعيد».
ونقله الذهبيّ في «العلو» (٢٠١) مثله ولم يعزه إلى ابن منده.
قال الأعظمي: وحديث أبي هريرة وأبي سعيد مر قبل هذا في هذا الباب.
وأبو عبد الرّحيم هو خالد بن أبي يزيد بن سماك الأموي مولاهم.
وصحّحه أيضًا الحاكم (٤/ ٥٨٩ - ٥٩٢) وقال: «رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات غير أنهما لم يخرّجا أبا خالد الدّالانيّ في الصحيحين لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصّحابة. فأمّا الأئمّة المتقدّمون فكلّهم شهدوا لأبي خالد بالصّدق والإتقان، والحديث صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالانيّ ممن يُجمع حديثُه في أئمّة أهل الكوفة».
وتعقّبه الذّهبيُّ بقوله: «ما أنكرَه حديثًا! على جودة إسناده، وأبو خالد شيعيٌّ منحرف».
وأمّا في «العلو» (٢٠٠) فحسّن إسناده مطلقًا.
قال الأعظمي: وأبو خالد الدّالانيّ اسمه يزيد بن عبد الرحمن الأسديّ الكوفيّ، قال فيه ابن معين والنسائيّ: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وتكلّم فيه ابن حبان، ولكن شيخه ابن خزيمة أخرج عنه وأقرّ به. ثم هو تُوبع في الإسناد الثاني، إلا أن ما ذكر من السجود لغير اللَّه ففيه نكارة لأن من لم يسجد لغير اللَّه في الدنيا كيف يسجد لغير اللَّه في الآخرة.
حسن: رواه أبو داود (٤٧٣١) من طريق شعبة، وابن ماجه (١٨٠) من طريق حمّاد بن سلمة - كلاهما عن يعلى بن عطاء، عن وكيع بن حُدُس، عن عمّه أبي رزين، فذكره.
وصحّحه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (٣٥٩، ٣٦٠)، فرواه من طريقين، وابن حبان في صحيحه (٦١٤١)، والحاكم (٤/ ٥٦٠)، وأحمد (١٦١٨٦) كلهم من طريق حماد بن سلمة وحده، بإسناده مثله.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد». وأقرّه الذّهبيُّ وقال: «رواه شعبة عن يعلى، واسم أبي رزين لقيط بن عامر». إلّا أنّ ابن حبان زاد في الحديث السؤالَ الثاني وهو قول أبي رزين: قال: قلت: يا رسول اللَّه، أين كان ربُّنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: «في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء».
وهذا الجزء الثاني رواه الترمذيّ (٣١٠٩) من طريق حمّاد بن سلمة، بإسناده وزاد في آخره: «وخلق عرشه على الماء». وقال: «هذا حديث حسن».
قال الأعظمي: وهو كما قال، فإن إسناده حسن من أجل وكيع بن حُدس -بالحاء- كما قال حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء. وقال شعبة وأبو عوانة وهُشيم: وكيع بن عُدس -بالعين- ورجّح الإمام أحمد بأن الصّواب هو حُدس -بالحاء- نقله عنه ولده عبد اللَّه في مسند أبيه (١٦١٨٩).
ثم هو «مجهول الحال» كما قال ابن القطّان. وقال الذهبيّ: «لا يُعرف» لأنه لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء.
ولكنه ذكره ابن حبان في «الثقات» (٥/ ٤٩٦) ولذا قال فيه الحافظ: «مقبول» أي حيث يتابع، وقد توبع في الجملة في حديث طويل ولكن فيه رجال لا يعرفون.
وأنقل هنا هذا الحديث الطّويل، ثم أذكره مفرقًا في أماكنه حسب الموضوع، ولا أذكره كاملًا في مكان آخر.
عن عاصم بن لقيط: أنّ لقيط بن عامر خرج وافدًا إلى رسول اللَّه ﷺ ومعه صاحب له يقال له: نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق. قال لقيط: فخرجت أنا وصاحبي حتى قدمنا على رسول اللَّه ﷺ لانسلاخ رجب، فأتينا رسول اللَّه ﷺ فوافيناه حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في النّاس خطيبًا فقال: «أيها الناس ألا إنّي قد خبّأت لكم صوتي منذ أربعة أيام، ألا لأسمعنكم، ألا فهل من امرئ بعثه قومُه؟». فقالوا: اعْلَم لنا ما يقولُ رسولُ اللَّه ﷺ. «ألا ثمّ لعلّه أن يُلهيه حديثُ نفسه، أو حديثُ صاحبه، أو يلهيه الضلال، ألا إني مسؤولٌ، هل بلّغتُ؟ ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا، ألا اجلسوا». قال: فجلس الناسُ، وقمتُ أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره، قلت: يا رسول اللَّه ما عندك من علم الغيب؟ فضحك لعمرُ اللَّه، وهز رأسه، وعلم أني أبتغي لسَقَطِه، فقال: «ضنَّ ربُّك عز وجل بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمها إلا اللَّه» وأشار بيده -فقلت: وما هي؟
قال: «علم المنية، قد علم مني منيةُ أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المني حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمونه، وعلم ما في غد قد علم ما أنت طاعم غدا ولا تعلمه، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم أَزِلين أَزلين مشفقين، فيظلُ يضحك، قد علم أن غِيَرَكم إلى قُرْبٍ». قال لقيط: قلتُ: لن نَعْدَمَ من ربٍّ يضحك خيرًا، «وعلم يوم السّاعة». قلت: يا رسول اللَّه! علّمنا مما تُعلِّم الناس وما تعلم، فإنا من قبيل لا يصدّق تصديقنا أحد، من مَذْحِج التي تربأُ علينا، وخثعم التي توالينا، وعشيرتنا التي نحن منها. قال: «تلبثون ما لبثْتُم، ثم يُتوفّى نبيُّكم، ثم تلبثون ما لبثتم، ثم تبعثُ الصّائحةُ، فلَعَمْرُ إلهك ما تدعُ على ظهرها من شيء إلّا مات، والملائكة الذين مع ربّك عز وجل، فأصبح ربُّك يطوف في الأرض، وخَلَتْ عليه البلاد، فأرسل ربُّك عز وجل السّماء تهضِب من عند العرش، فَلَعَمْرُ إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل، ولا مدفن ميت إلا شقّتِ القبرَ عنه حتى تجعله من عند رأسه، فيستوي جالسًا، فيقولُ ربُّك: مَهْيَمْ، لما كان فيه، يقول: يا ربّ، أمس، اليوم، ولعهده بالحياة يحسبه حديثًا بأهله». فقلت: يا رسول اللَّه! فكيف يجمعنا بعد ما تمزُقُنا الرّياح والبِلى والسِّباع؟ قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء اللَّه: الأرضُ أشرفتَ عليها وهي مدرة بالية. فقلتَ: لا تحيا أبدًا. ثم أرسل اللَّهُ عليها السماء فلم تلبث عليك إلا أيامًا حتى أشرفتَ عليها وهي شَرَبةٌ واحدةٌ، ولَعَمْرُ إلهك لهو أقدرُ على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من الأصواء، ومن مصارعكم، فتنظرون إليه وينظر إليكم». قال: قلت: يا رسول اللَّه، وكيف ونحن ملء الأرض وهو شخص واحد ننظر إليه وينظر إلينا؟ قال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء اللَّه عز وجل: الشّمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة ولا تضارّون في رؤيتهما، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يراكم وترونه من أن ترونهما ويريانكم لا تضارون في رؤيتهما». قلت: يا رسول اللَّه، فما يفعل بنا ربُّنا عز وجل إذا لقيناه؟ قال: «تعرضون عليه باديةً له صفحاتُكم، لا يخفى عليه منكم خافيةٌ، فيأخذُ ربُّك عز وجل بيده غَرْفَة من الماء، فينضحُ قَبِيْلَكُم بها، فَلَعَمْرُ إلهك ما تُخْطِئُ وجَه أحدكم منها قطرةٌ، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الرّيطة البيضاء، وأما الكافر فتخطمه مثل الحميم الأسود، ألا ثم ينصرف نبيُّكم ﷺ، ويفترق على أثره الصّالحون، فيسْلُكون جِسْرًا من النار، فيطأ أحدكم الجمر يقول: حَسَّ! يقول ربُّك عز وجل: أوانه، ألا فتطلعون على حوض الرسول على أظمأ -واللَّه- ناهلةٍ قطّ ما رأيتها، فلعمرُ إلهك ما يبسط واحد منكم يده إلا وقع عليها قَدَحٌ يطهره من الطَّوْف والبول والأذى، وتُحْبَسُ الشّمسُ والقمرُ، ولا ترون منهما واحدًا». قال: قلت: يا رسول اللَّه فبمَ نبصر؟ قال: «بمثل بصرك ساعتك هذه، وذلك قبل طلوع الشمس في يوم أشرقت الأرض واجهت به الجبال». قال: قلت: يا رسول اللَّه، فبمَ نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ قال: «الحسنة بعشرة أمثالها، والسيئة بمثلها إلا أن يعفُوَ». قال: قلت: يا رسول اللَّه، أما الجنة أما النار؟ قال: «لَعَمْرُ إلهك إنّ للنار لسبعةَ أبواب ما منهن بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين عامًا، وإنّ للجنّة لثمانيةَ أبواب ما منهن بابان إلّا يسير الرّاكب بينهما سبعين
عامًا». قلت: يا رسول اللَّه، فعلامَ نطلع من الجنة؟ قال: «على أنهار من عسل مصفى، وأنهار من كأس ما بها من صُداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمُه، وماء غير آسن، وبفاكهة، لعَمْرُ إلهك ما تعلمون، وخير من مثله معه، وأزواج مطهّرة». قلت: يا رسول اللَّه أو لنا فيها أزواج أو منهن مصلحات؟ قال: «الصالحات للصّالحين تلذُّونَهُنّ مثل لذّاتكم في الدّنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد». قال لقيط: فقلت: أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه؟ فلم يجبه النبيُّ ﷺ. قلت: يا رسول اللَّه، على ما أبايعك؟ قال: فبسط النبي ﷺ يده وقال: «على إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، وزيال المشرك، وأن لا تشرك باللَّه إلهًا غيره». قلت: وإن لنا ما بين المشرق والمغرب؟ فقبض النّبي ﷺ يده، وظنّ أني مشترط شيئا لا يُعطينيه. قال: قلت: نحلُّ منها حيث شئنا، ولا يجني امرؤ إلا على نفسه، فبسط يده، وقال: «لك ذلك تَحُلُّ حيث شئتَ، ولا يجني عليك إلا نفسُك». قال: فانصرفنا عنه، ثم قال: «إنّ هذَيْن لَعَمْرُ إلهك من أتقى الناس في الأولى والآخرة». فقال له كعب بن الخدارية؛ أحدُ بني بكر بن كلاب: مَنْ هم يا رسول اللَّه؟ قال: «بنو المنتفق أهل ذلك». قال: فانصرفنا وأقبلتُ عليه، فقلت: يا رسول اللَّه، هل لأحد ممن مضى من خير في جاهليتهم؟ قال: قال رجل من عُرْضِ قريش: واللَّه إنّ أباك المنتفق لفي النّار. قال: فلكأنّه وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس النّاس، فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول اللَّه؟ ثم إذا الأخرى أجمل، فقلتُ: يا رسول اللَّه، وأهلك؟ قال: «وأهلي لَعَمْرُ اللَّه ما أتيتَ عليه من قبر عامريّ، أو قرشيّ من مشرك قُلْ: أرسلني إليك محمّدٌ، فأبشرُكَ بما يسوؤك، تُجَرُّ على وجهك وبطنك في النّار». قال: قلت: يا رسول اللَّه ﷺ، ما فعل بهم ذلك وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلّا إيّاه، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟ قال ﷺ: «ذلك لأن اللَّه عز وجل بعث في آخر كلِّ سَبْع أُمم -يعني- نبيًّا، فمن عصى نبيَّه كان من الضّالين، ومن أطاع نبيَّه كان من المهتدين».
أخرجه عبد اللَّه بن أحمد في مسند أبيه (١٦٢٠٦)، وفي كتابه «السنة» (١١٢٠) قال: «كتب إليَّ إبراهيم بن حمزة الزبيريّ: كتبتُ إليك بهذا الحديث، وقد عرفته وسمعته على ما كتبت به إليك، فحدِّث بذلك عني، حدّثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزاميّ، حدثني عبد الرحمن بن عياش السمعيّ الأنصاريّ القبائيّ -من بني عمرو بن عوف- عن دُلهم بن الأسود بن عبد اللَّه بن حاجب بن عامر ابن المنتفق العقيليّ، عن أبيه، عن عمّه لقيط بن عامر. قال دُلْهم: وحدثنيه ابن أبي الأسود، عن عاصم بن لقيط، أنّ لقيطًا خرج وافدًا إلى رسول اللَّه ﷺ ومعه صاحب له يقال له: نُهيل بن عاصم ابن مالك بن المنتفق. قال لقيط: فخرجتُ وصاحبي حتى قدمنا على رسول اللَّه ﷺ المدينة انسلاخ رجب، فأتينا رسول اللَّه ﷺ حين انصرف من صلاة الغداة، فقام في الناس خطيبًا، فقال (فذكر الحديث).
ولقيط هو أبو رزين العقيليّ.
ورواه الطبراني في الكبير (١٩/ ٢١١)، وصحّحه ابن خزيمة في التوحيد (٣٨٢)، والحاكم (٤/
٥٦٠) كلهم من طريق عبد الرحمن بن المغيرة، بإسناده، مع أغلاط وقعتْ في المستدرك في قلب الأسانيد.
قال الحاكم: «هذا حديث جامع في الباب، صحيح الإسناد كلّهم مدنيّون».
وتعقبّه الذهبي فقال: «يعقوب بن محمد بن عيسى الزهريّ ضعيف».
وهو الرّاوي عن عبد الرحمن بن المغيرة، وقد توبع كما في رواية عبد اللَّه بن أحمد، وابن أبي عاصم في «السّنة» (٥٢٤، ٦٣٦) إلّا أنّ فيه: «عن دلهم بن الأسود، عن جدّه». بدل «عن أبيه».
وذكره الهيثميّ في «المجمع» (١٠/ ٣٤٠) وقال: «رواه عبد اللَّه، والطبراني بنحوه، وأحد طريقي عبد اللَّه إسنادها متصل، ورجالها ثقات».
وهو يقصد بقوله: «ثقات» توثق ابن حبان، وإلّا فعبد الرحمن بن عياش وشيخه دُلهم، وأبوه أسود لا يعرفون إلّا بهذا الإسناد.
وقال الذّهبيّ: «دلهم بن الأسود، وجدّه عبد اللَّه بن حاجب لا يُعرفان».
وعبد الرحمن بن عايش ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال الحافظ في «التقريب»: «مقبول». أي إذا توبع وإلّا فليّن الحديث.
وقد توبع على قوله: «لن نعدم من رب يضحك خيرًا يا رسول اللَّه»، كما سبق في باب الضّحك.
وأمّا الحافظ ابن القيم فقوّى هذا الحديث قائلًا في «زاد المعاد» (٣/ ٦٧٧): «هذا حديث كبير جليل، تنادي جلالتُه وفخامتُه وعظمتُه على أنّه قد خرج من مشكاة النّبوة، لا يُعرف إلّا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدنيّ، رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيريّ وهما من كبار علماء المدينة، ثقتان محتجّ بهما في الصحيح، احتجّ بهما إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاريّ، ورواه أئمة السنة في كتبهم، وتلقوه بالقبول، وقابلوه بالتّسليم والانقياد، ولم يطعن منهم فيه ولا في أحد من رواته».
فذكر من أخرجه منهم عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل، وابن أبي عاصم في السنة (٤٥٩، ٤٦٠)، وأبو أحمد العسال في «المعرفة» والطبراني -كما مضى-، وأبو الشيخ في «السنة»، وابن منده، وأبو نعيم الأصبهانيّ. وقال: «جماعة من الحفّاظ سواهم يطول ذكرهم. . . إلخ». واللَّه أعلم.
وقوله: «تهضِبُ» أي تُمطر، والأصواء: القبور. والشَّرَبة -بفتح الرّاء-: الحوض الذي يجتمع فيه الماء، وبالسّكون والياء: الحنظلة، يريد أنّ الماء قد كثر، فمن حيث شئت تشرب. وعلى رواية السكون والياء: يكون قد شبّه الأرض بخُضرتها بالنّبات بخضرة الحنظلة واستوائها.
وقوله: «حس»: كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه غفلةً ما يحرقه أو يؤلمه. قال الأصمعيّ: وهي مثل أوه.
وقوله: يقول ربُّك عز وجل: «أو أنه». قال ابن قتية: فيه قولان: أحدهما: أن يكون «أنه»
بمعنى «نعم».
والآخر: أن يكون الخبر محذوفًا كأنه قال: أنتم كذلك، أو أنّه على ما يقول.
وفي الحديث: لا «يُصَلِّ أحدُكم، وهو يدافع الطَّوْف والبَوْل».
والطّوف: الغائط. والجسر: الصّراط.
وقوله: «فيقول ربُّك. مَهيم». أي: ما شأنُك وما أمرُك، وفيم كنتَ.
وقوله: «يشرف عليكم أَزْلين»: الأزْل -بسكون الزّايْ- الشّدة، والأَزِل على وزن كَتِف: هو الذي قد أصابه الأزل، واشتد به حتى كاد يقنط.
وقوله: «فيظلّ يضحك» هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالى التي لا يشبهه فيها شيءٌ من مخلوقاته، كصفات ذاته، وقد وردت هذه الصّفة في أحاديث كثيرة لا سبيل إلى ردّها، كما لا سبيل إلى تشبيهها وتحريفها، وكذلك «فأصبح ربُّك يطوف في الأرض»، هو من صفات فعله، كقوله: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ﴾ [سورة الفجر: ٢٢]. ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ﴾ [سورة الأنعام: ١٥٨]، و«ينزلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السّماء الدُّنيا»، و«يدنُو عشيّة عرفة، فيباهي بأهلِ الموقف الملائكة». والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تحريف وتعطيل».
وقوله: «والملائكة الذين عند ربّك«: لا أعلم موت الملائكة جاء في حديث صريح إلّا هذا، وحديث إسماعيل بن رافع الطّويل، وهو حديث الصُّور، وقد يستدل عليه بقوله تعالى ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [سورة الزمر: ٦٨]». انتهى بما في الزاد.
وفي الباب ما رُوي عن ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «إنّ أدنى أهل الجنّة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسروره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم على اللَّه من ينظر إلى وجهه غدوة وعشيّة». ثم قرأ رسول اللَّه ﷺ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [سورة القيامة: ٢٢ - ٢٣]».
رواه الترمذيّ (٢٥٥٣)، وأحمد (٢/ ١٣)، وابن منده في الرّد على الجهميّة (٩١)، وصحّحه الحاكم (٢/ ٥٠٩ - ٥١٠) كلهم من طريق ثوير بن أبي فاختة، عن ابن عمر، فذكره.
قال الحاكم: «هذا حديث مفسر في الرد على المبتدعة، وثوير بن أبي فاختة وإن لم يخرجاه، فلم يُنقم عليه غير التشيّع».
وتعقبه الذهبي فقال: «بل هو واهي الحديث». وبه أعلّه الهيثميّ في: المجمع (١٠/ ٤٠١) فقال: «وفي أسانيدهم ثوير بن أبي فاختة، وهو مجمع على ضعفه».
وفي الباب ما رُوي أيضًا عن أبي موسى الأشعريّ قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: «يجمعُ اللَّه عز وجل الأمم في صعيد واحد يوم القيامة، فإذا بدا للَّه عز وجل أن يصْدع بين خلقه، مُثِّل لكلِّ قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم حتى يُقَحِّمونهم النّار، ثم يأتينا ربُّنا عز وجل ونحن على مكان رفيع، فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون. فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربَّنا عز وجل».
قال: «فيقول: وهل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم. فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعم، إنّه لا عِدْل له. فيتجلّى لنا ضاحكًا يقول: أبشروا أيّها المسلمون، فإنّه ليس منكم أحدٌ إلّا جعلتُ مكانه في النار يهوديًّا أو نصرانيًّا».
رواه الإمام أحمد (١٩٦٥٤)، والآجريّ في الشريعة (٦٠٧)، وابن خزيمة (٤٦٤)، والدارميّ في الرّد على الجهمية (١٨٠) كلهم من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عُمارة، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعريّ، فذكر مثله، واللّفظ لأحمد.
وفي لفظ عند الدّارميّ ونحوه عند الآجريّ عن عمارة القرشيّ أنه كان عند عمر بن عبد العزيز، فأتاه أبو بردة بن أبي موسى الأشعريّ، فقضى له حوائجه، فلما خرج رجع. فقال عمر: أذكر الشيخ؟ فقال له عمر: ما ردّك؟ ألم تقضِ حوائجك؟ قال: بلى، ولكن ذكرتُ حديثًا حدثناه أبو موسى الأشعريّ، أنّ رسول اللَّه ﷺ قال (فذكر الحديث).
وفيه علّتان:
الأولى: علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف عند جماهير أهل العلم.
والثانية: شيخه عمارة وهو القرشيّ، نقل الذهبي عن الأزديّ أنه قال: «ضعيف جدًّا. روى عنه علي بن زيد بن جدعان وحده»، وأورد جزءًا من الحديث المذكور. الميزان (٣/ ١٧٨).
ولكن لبعض فقراته شواهد صحيحة، مثل قوله: «أبشروا أيّها المسلمون، فإنّه ليس منكم أحدٌ إلّا جعلتُ مكانه في النار يهوديًّا أو نصرانيًّا».
رواه مسلم في التوبة (٢٧٦٧) من وجه آخر عن عون وسعيد بن أبي بردة، حدّثاه أنّهما شهدا أبا بردة يُحدّث عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن النبيّ ﷺ قال: «لا يموت رجل مسلم ولا أدخل اللَّه مكانه النار يهوديًّا أو نصرانيًّا». قال: فاستحلفه عمر بن عبد العزيز باللَّه الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات، أن أباه حدّثه عن رسول اللَّه ﷺ، قال: فحلف له، قال: فلم يحدّثني سعيد أنه استحلفه ولم ينكر على عون قوله.
قال ابن خزيمة رحمه اللَّه تعالى: «إنّ اللَّه عز وجل إنّما تراءى لهذه الأمة برّها وفاجرها ومنافقها بعد ما تساقط أولئك في النار، فاللَّه تعالى كان محتجبًا عن جميعهم لم يره منهم أحد، كما قال تعالى ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [سورة المطففين: ١٤ - ١٧]، فأعلمنا عز وجل أن مَنْ حُجب عنه يومئذ هم المكذِّبون بذلك في الدنيا، ألا تسمع قوله تعالى: ﴿هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾. وأمّا المنافقون، فإنّما كانوا يكذّبون بذلك بقلوبهم، ويقرّون به بألسنتهم رياءٌ وسُمعةٌ، فقد تراءى لهم رؤية امتحان واختبار، وليكون حجبه إياهم بعد ذلك عن رؤيته حسرة عليهم وندامة، إذ لم يصدّقوا به بقلوبهم وضمائرهم، ويوعده ووعيده، وما أمر به ونهى عنه، وبيوم الحسرة والنّدامة».
أبواب الكتاب (عرض 50 باباً حول الباب الحالي)
الباب الحالي في المركز 116 من أصل 361 باباً
- 91 باب إثبات القدم للَّه ﷿
- 92 باب ما جاء في صور وجوه حملة العرش
- 93 باب ما جاء في السّاق
- 94 باب في إتيان الرّب ﷿ يوم القيامة
- 95 باب ما جاء من قول اللَّه تعالى في الحديث القدسي: «إن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً».
- 96 باب ما جاء في الضّحك
- 97 باب ما جاء في إثبات العجب للَّه تعالى
- 98 باب إثبات الفرح للَّه ﷿
- 99 باب ما جاء في الاستحياء
- 100 باب في غيرة اللَّه تعالى
- 101 باب ما جاء في كلام اللَّه تعالى بأنه يُسْمَعُ ويكون بحرف وصوت
- 102 باب أنّ اللَّه يكلّمُ النّاسَ يوم القيامة بدون ترجمان وبدون حجاب
- 103 باب الذين لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم
- 104 باب قول اللَّه ﷿: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾ [سورة الشورى: ٥١]
- 105 باب ما جاء أنّ القرآن كلام اللَّه
- 106 باب أنّ الرّوح من أمر الرّبّ ﷾
- 107 باب لا يعلم الغيب إلّا اللَّه ﷾
- 108 باب ما جاء في المعية والنّجوى
- 109 باب نفي التشبيه عن اللَّه تعالى
- 110 باب أنّ اللَّه يقول: يسُبُّ ابن آدم الدَّهرَ وأنا الدَّهرُ
- 111 باب لا أحد أصبر على الأذى من اللَّه ﷿
- 112 باب أنّ أحدًا لن يرى اللَّه ﷿ حتّى يموت
- 113 باب من قال: إنّ النبيّ ﷺ رأى ربَّه ﵎، وتأويل ذلك بأنَّه رآه بقلبه
- 114 باب رؤية النّبيّ ﷺ ربّه في المنام
- 115 باب ما جاء من قوله ﷺ: «حجابه النّور»
- 116 باب ما جاء في رؤية المؤمنين ربّهم يوم القيامة دون الكفّار
- 117 باب ما رُوي: المؤمن يرى بنور اللَّه
- 118 باب ما يخالف التوحيد الخالص
- 119 باب النّهي عن أن يقال: ما شاء اللَّه وشئت، خوفًا من التسوية بينهما
- 120 باب أنّ اللَّه يحارب من يُعادي أولياءه
- 121 باب ما جاء في عرش الرّحمن بأنّه مخلوق، وأنّه كان على الماء
- 122 باب أنّ العرش أعلى المخلوقات وأعظمها
- 123 باب عظمة العرش
- 124 باب أنّ العرشَ أقربُ المخلوقات إلى اللَّه
- 125 باب ما جاء في زنة العرش
- 126 باب ما جاء في قوائم العرش
- 127 باب ما جاء في اهتزاز العرش
- 128 باب ما جاء في ظلّ العرش
- 129 باب أنّ اللَّه كتب في كتابه وهو عنده فوق العرش: «إنّ رحمتي غلبتْ غضبي»
- 130 باب ما جاء في «تحت العرش»
- 131 باب ما جاء في عدَم فناء العرش
- 132 باب تعاطف التسبيح والتهليل والتحميد على صاحبه حول العرش
- 133 باب ما جاء في الكرسي
- 134 باب ما جاء في خلق الملائكة من نور
- 135 باب ما جاء في كثرة الملائكة، وأنه لا يحصيهم إلا اللَّه ﷾
- 136 باب ما جاء في صلاة الملائكة وسجودهم للَّه تعالى
- 137 باب تعاقب ملائكة الليل والنهار في الناس
- 138 باب وصف الملائكة عند نزول الوحي
- 139 باب ما جاء في كتابة الملائكة الدّاخلين إلى المساجد يوم الجمعة الأوّل فالأول إلى أن يجلس الإمام للخطبة
- 140 باب تحية الملائكة هي تحية آدم وذريّته
معلومات عن حديث: رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار
📜 حديث عن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار
أحاديث نبوية شريفة تتعلق بـ رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار من مصادر موثوقة.
🔍 صحة حديث رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار
تحقق من درجة أحاديث رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار (صحيح، حسن، ضعيف).
📖 تخريج حديث رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار
تخريج علمي لأسانيد أحاديث رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار ومصادرها.
📚 أحاديث عن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار
مجموعة شاملة من الأحاديث النبوية في موضوع رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة دون الكفار.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Friday, August 22, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب