حديث: صفة رسول الله في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (٤٦)﴾

عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ وحِرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو، ويغفر، ولن يقبضه الله حتَّى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إِلَّا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.

صحيح: رواه البخاريّ في البيوع (٢١٢٥) عن محمد بن سنان، حَدَّثَنَا فليح، حَدَّثَنَا هلال، عن عطاء بن يسار قال فذكره.

عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني عن صفة رسول الله ﷺ في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا﴾ وحِرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو، ويغفر، ولن يقبضه الله حتَّى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: لا إله إِلَّا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بما ندرس من سنة نبيه ﷺ.
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، يصف لنا جانباً من البشارات الموجودة في الكتب السماوية السابقة، خاصة التوراة، بالنبي الخاتم محمد ﷺ.

أولاً. شرح المفردات:


● حِرْزًا: أي حصناً ومانعاً وحافظاً.
● لِلْأُمِّيِّينَ: المقصود بهم العرب، لأنهم لم يكونوا يقرؤون كتاباً من قبل.
● سَخَّابٍ: كثير الصياح والصراخ في الأسواق والمجالس.
● الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ: الدين المنحرف الذي اعوج عن طريق الحق، وهو الشرك.
● غُلْفًا: جمع أغلف، أي عليها غلاف، أي قاسية لا يعقل بها الخير.

ثانياً. شرح الحديث:


يخبر الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو ممن كان يعرف القراءة والكتابة وكان يكتب الحديث، أنه قد وجد في التوراة صفة لرسول الله ﷺ تتطابق مع ما جاء في القرآن الكريم، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} [الأحزاب: 45-46].
ثم يذكر بعض الصفات التي وردت في التوراة:
1- "حِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ": أي أن الله جعله ﷺ حصناً ومنعةً للأمة العربية التي لم تكن تعرف الكتابة والقراءة، يحميها من الضلال والهلاك.
2- "أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي": هذا تأكيد على عبوديته الكاملة لله تعالى ورسالته إلى الخلق.
3- "سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ": من أسمائه ﷺ وصفاته التي مدحه الله بها، فهو الذي يتوكل على ربه حق التوكل في جميع أموره.
4- "لَيْسَ بِفَظٍّ، وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ": هذه صفات خلقه الكريم ﷺ، فلم يكن فظاً في تعامله (أي قاسي القلب)، ولا غليظاً في منطقه (أي شديد اللهجة)، ولا يرفع صوته بلا فائدة في الأسواق والمجتمعات.
5- "وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ": أي لا يقابل الإساءة بمثلها، بل كان يعفو ويصفح.
6- "وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ": هذه من أبرز أخلاقه ﷺ، فكان عفوه وصفحه مغزىً عظيماً من مغازي رسالته.
7- "وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ": أي أن الله لن يتوفاه ﷺ حتى يكمل به الدين، ويقيم به دين التوحيد المستقيم بعد أن كان الناس على شرك وضلال.
8- "بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ": أي أن وسيلة إقامة الملة العوجاء هي الدعوة إلى كلمة التوحيد.
9- "وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا": أي أن نور كلمة "لا إله إلا الله" التي جاء بها ﷺ ستنير القلوب العمي التي لا تبصر الحق، وتسمع الآذان الصم التي لا تسمع الهدى، وتلين القلوب القاسية التي عليها أغلفة الجهل والغفلة.

ثالثاً. الدروس المستفادة:


1- إثبات نبوة محمد ﷺ: الحديث دليل واضح على أن بعثة النبي ﷺ كانت مذكورة ومبشرة بها في الكتب السماوية السابقة.
2- عظمة أخلاق النبي ﷺ: الحديث يصور لنا جانباً من أخلاقه العظيمة من الرحمة، والعفو، والحلم، والتواضع، وعدم الفظاظة.
3- مقابلة الإساءة بالإحسان: من أعظم الدروس أن خلق المسلم ليس هو رد الإساءة، بل العفو والصفح، اقتداءً بالنبي ﷺ.
4- مقصد الرسالة: بيان أن الهدف الأسمى من بعثة النبي ﷺ هو إقامة دين التوحيد وإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
5- قوة تأثير كلمة التوحيد: فهي التي تفتح القلوب المقفلة، وتنير العقول المظلمة، وتهدي النفوس الضالة.

رابعاً. معلومات إضافية:


- هذا الحديث من أدلة إثبات نبوة محمد ﷺ لليهود والنصارى، فهو يخبر بما في كتبهم قبل تحريفها.
- عبد الله بن عمرو بن العاص كان من الصحابة الذين اهتموا بجمع العلم والحديث، وكان من كتبة الوحي.
- الحديث يظهر وحدة الرسالات السماوية في أصل الدعوة إلى التوحيد، وأن خاتم الرسل جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليها.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتبعين لسنة نبيه ﷺ، العاملين بشرعه، الداعين إلى دينه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في البيوع (٢١٢٥) عن محمد بن سنان، حَدَّثَنَا فليح، حَدَّثَنَا هلال، عن عطاء بن يسار قال فذكره.
قال البخاريّ: تابعه عبد العزيز بن أبي سلمة، عن هلال. انتهى.
ذكر البخاريّ متابعة عبد العزيز بن أبي سلمة في التفسير (٤٨٣٨) لفليح وهو ابن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي لضعفه.
وقول عبد الله بن عمرو: «إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن» يدل على اطلاع عبد الله بن عمرو كتاب اليهود وهو «العهد القديم»، ويُسمى أيضًا التوراة تغليبا لأن الأسفار الخمسة الأولى: التكوين، والخروج، واللاوين، والعدد، والتثنية تنسب إلى موسى عليه السلام، وبقية العهد القديم تشتمل على عدة أنواع منها: أسفار الأنبياء فما ذكره عبد الله بن عمرو فمثله لا يزال موجودا في أسفار إشعيا - الإصحاح الثاني والأربعون.
وفقرات هذا الإصحاح كالتالي:
١ - هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سُرّت به نفسي.
٢ - وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم.
٣ - لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته.
٤ - لا يَكَلُّ ولا ينكسر حتَّى يضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائرُ شريعته.
٥ - أنا الرب قد دعوتك بالبر، فأمسك بيدك، وأحفظك، وأجعلك عهدا للشعب نورًا للأمم
لتفتح عيون العمي ليخرج من الحبس الماسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة.
٦ - أنا الرب، هذا اسمي ومجدي، لا أعطيه لآخر.
٧ - غنّوا للرب أغنية جديدةً تسبيحةً من أقصى الأرض.
٨ - أيها المنحدرون في البحر ومِلْوُه، والجزائر وسكانها لترفع البرية مُدُنها صوتها الديار التي سكنها قيدار.
٩ - ولتترنّمْ سكان سالع من رؤوس الجبال ليتهفوا.
هذه الصّفات التي ذكرت للنبي ﷺ نظائرها موجودة في القرآن الكريم، وتفاصيلها في الأحاديث. والجزائر وسكانها يعني بها الجزيرة العربية.
وقيدار اسم ابن إسماعيل، ونسله يسمى الإسماعليون وهم من سكان الجزيرة.
وفي هذه الفقرات بشارة واضحة لبعثة النَّبِيّ ﷺ في الجزيرة العربية من أولاد إسماعيل، وإن دينه يبلغ أقصى الأرض، وأنه لن يموت حتَّى يضع الحق في الأرض ونظيره قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣].
وقول عبد الله بن عمرو هذا يدل على أن الرجوع إلى كتب أهل الكتاب مهمّ لبيان كون القرآن مصدقا لما قبله من الكتب، ولإقامة الحجة عليهم.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1212 من أصل 1947 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: صفة رسول الله في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق

  • 📜 حديث: صفة رسول الله في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: صفة رسول الله في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: صفة رسول الله في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: صفة رسول الله في التوراة: ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب