فضل النبي على الانبياء بست خصال

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره، يبين بعض مظاهر التفضيل التي خصَّ الله بها نبينا محمداً ﷺ على سائر الأنبياء والمرسلين، وهو من دلائل نبوته وعلو منزلته عند ربه.

---

أولاً. شرح المفردات:

● فُضِّلْتُ: أي فُضِّلتُ وامتزتُ عن غيري من الأنبياء.
● جوامع الكلم: الكلمات القليلة التي تحمل المعاني الكثيرة الواسعة.
● نُصرت بالرعب: جعل الله هيبتي في قلوب أعدائي من مسيرة شهر.
● أحلت لي الغنائم: أباح الله لي وأمتي أخذ أموال الكفار المنهوبة في الحرب، ولم تكن حلالاً لأمة قبلنا.
● جُعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا: جُعلت التراب طاهراً يُتطهر به عند عدم الماء، وجُعلت كل الأرض مكاناً للصلاة.
● أُرسلت إلى الخلق كافة: بعثتي شملت جميع الناس، جنهم وإنسهم، أبيضهم وأسودهم، عربيهم وعجميهم.
● خُتم بي النبيون: كنت آخر الأنبياء، فلا نبي بعدي.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يذكر النبي ﷺ في هذا الحديث ست خصائص اختص بها عن غيره من الأنبياء، وهي:
1- أُعطيت جوامع الكلم: وهذا من أعظم المعجزات البلاغية، فكان ﷺ يعبر عن المعاني العظيمة بأقل الألفاظ وأجمعها، مثل قوله: «إنما الأعمال بالنيات» وقوله: «الحلال بيّن والحرام بيّن» وغيرها من الأحاديث التي هي قواعد كبرى في الدين. وهذا من إعجاز القرآن والسنة.
2- ونُصرت بالرعب: أي أن الله تعالى نصره بإلقاء الرعب والخوف في قلوب أعدائه قبل لقائهم بمسيرة شهر، فيفرق شملهم ويوهن قواهم قبل القتال، مما يهيء النصر لأمة الإسلام. وهذا وعد من الله تحقق في غزوات النبي ﷺ.
3- وأحلت لي الغنائم: كانت الغنائم في الشرائع السابقة محرمة، تؤخذ أموال المنهزمين ثم تُحرق أو تُترك، أما في شريعتنا فقد أحلها الله طعمة طيبة للمجاهدين، تشجيعاً لهم على الجهاد وتقويةً لشوكتهم.
4- وجُعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا: هاتان خاصيتان عظيمتان لتيسير العبادة على هذه الأمة:
● طهورًا: أي جعل التراب طاهراً مطهراً يتيمم به عند فقد الماء أو العجز عن استعماله، تخفيفاً ورحمة.
● مسجدًا: أي أن الصلاة تجوز في أي مكان من الأرض طاهر، بخلاف الأمم السابقة التي كانت مقيدة بأماكن خاصة للعبادة، فسهل الله على هذه الأمة فأينما حضرت الصلاة فصلّت.
5- وأُرسلت إلى الخلق كافة: كانت رسالة كل نبي قبل محمد ﷺ خاصة بقومه أو بزمن معين، أما رسالته ﷺ فهي عامة للثقلين (الإنس والجن)، ولجميع الأجناس والألوان، وإلى قيام الساعة. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.
6- وخُتم بي النبيون: فهو ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، لا نبي بعده، وقد جاءت شريعته كاملة شاملة صالحة لكل زمان ومكان، فهي ناسخة لما قبلها من الشرائع. قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- عظم منزلة النبي ﷺ: فهو أفضل الخلق على الإطلاق، وهذه الخصائص دليل على علو مكانته عند ربه.
2- يسر الشريعة الإسلامية: نرى في هذه الخصائص تيسيراً من الله على هذه الأمة، في العبادة (التيمم، الصلاة في كل مكان)، وفي المعاش (إحلال الغنائم).
3- عموم الرسالة: رسالة الإسلام هي الرسالة الخاتمة والوحيدة المقبولة عند الله، وهي للناس جميعاً، مما يفرض على المسلمين واجب الدعوة ونشر هذا الدين.
4- الشجاعة والثقة بالنصر: نصر الله لرسوله بالرعب يعلمنا أن النصر من عند الله، وأن على المؤمن أن يتوكل على الله ويقوم بواجبه ثم يثق بنصر الله.
5- الحكمة والبلاغة: خاصية جوامع الكلم تدعونا إلى التأمل في كلام النبي ﷺ وأخذ الحكمة منه، والحرص على تعلم السنة النبوية.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذه الخصال الست ليست هي كل ما فضل به النبي ﷺ، بل هناك خصائص أخرى كثيرة ذكرها العلماء في كتب "الخصائص النبوية".
- الحديث يدل على أن التفضيل هو من عند الله تعالى، فهو الذي أعطى وخصَّ وفضَّل، وليس من النبي ﷺ نفسه.
- هذه الخصائص من الأدلة على صدق نبوة محمد ﷺ، فكيف لبشر أن يأتي بهذه الأمور العظيمة التي لم تجتمع لأحد قبله إلا بنبوة ووحي من الله تعالى.
نسأل الله أن يرزقنا حب نبيه ﷺ واتباع سنته والاقتداء به حتى نلقاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.