ارضخي ما استطعت ولا توعي فيوعي الله عليك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل في طياته دروساً عظيمة في البذل والعطاء وترك الشح. وإليك الشرح المفصل:

---

الحديث بصيغته الواردة:

عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا نبي الله! ليس لي شيء إلا ما يُدخِلُ عليَّ الزبير (أي يعطيني إياه من النفقة)، فهل عليَّ جناح (أي إثم) أن أَرضَخَ (أي أتصدق وأعطي) مما يدخل علي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ».

---

١. شرح المفردات:

● يدخل علي: يعطيني من النفقة والمال.
● جناح: إثم أو حرج.
● أرضخ: من الرضاخة، وهي العطاء القليل، أي تتصدقي وتعطي مما عندك ولو كان قليلاً.
● ما استطعت: حسب قدرتك وإمكانياتك.
● لا توعي: لا تمنعي الخير وتشحّي به وتجمعه في وعاء (كالصرة أو الكيس) فتكفيه عن الناس.
● فيوعي الله عليك: أي يمنع عنك فضله ورزقه ويحبس عنك بركته.

---

٢. شرح الحديث:

تخبرنا السيدة أسماء رضي الله عنها، وهي من نساء الصحابة المشهود لهن بالجود والكرم، أنها كانت في حالة من ضيق الحال، حيث لم يكن لديها مال خاص بها إلا ما يعطيه إياها زوجها الزبير بن العوام رضي الله عنه من النفقة. فسألت النبي صلى الله عليه وسلم مستفتية: هل عليها إثم إذا أنفقت وتصدقت من هذا المال القليل الذي يأتيها؟ أي هل يجب عليها أن تمسكه لنفسها ولا تعطي منه لأنها ليست غنية؟
فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بإجابة حكيمة تحمل تشجيعاً على البذل وتحذيراً من البخل:
1- «ارضخي ما استطعت»: هذا أمر وحث على الصدقة والعطاء، حتى ولو كان المال قليلاً. فليس الشرط أن تكون الصدقة كبيرة، بل المهم أن يعطي الإنسان مما رزقه الله على قدر استطاعته. وهي إشارة إلى أن البركة ليست في كثرة المال، بل في بركته وإنفاقه في سبيل الله.
2- «ولا توعي فيوعي الله عليك»: هذا تحذير شديد من منع الخير والبخل. فمن يبخل بماله ويشح به، ويجمعه ويحرسه ولا ينفق منه، فإن عقوبته من جنس عمله، فيحبس الله عنه بركته ويضيق عليه رزقه، حتى لو كان ماله كثيراً في الظاهر.

---

٣. الدروس المستفادة والعبر:

1- الحث على الصدقة ولو بالقليل: لا تحتقرن من المعروف شيئاً، فلو كان معك قليل فتصدق ببعضه، فالله تعالى يقبل القليل ويبارك فيه ويجزي عليه الجزاء الكبير.
2- الترغيب في الإنفاق ولو مع الحاجة: الحديث يدل على أن الإنسان ينبغي أن يكون جواداً حتى في حال ضيق ذات اليد، لأن العطاء لا يزيد المال إلا بركة.
3- التحذير من الشح والبخل: البخل خلق ذميم، وهو سبب لحبس البركات وزوال النعم. والجزاء من جنس العمل، فكما أنت تبخل على عباد الله، يبخل الله عليك من فضله.
4- بركة المال في إنفاقه لا في كنزه: المال الذي ينفق في سبيل الله هو المال الحقيقي المبارك، أما المال المكنوز المحبوس فإنه إما أن يزول أو لا ينفع صاحبه.
5- التوازن في الإنفاق: قوله «ما استطعت» فيه إرشاد إلى الاعتدال وعدم التبذير أو الإنفاق بما يؤدي إلى الإضرار بالنفس أو العيال. فالعطاء within الوسع والطاقة.
6- سؤال أهل العلم: فعل السيدة أسماء رضي الله عنها في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أهمية سؤال العلماء في الأمور الدينية التي تشكل على المرء.

---

٤. معلومات إضافية:

● الزبير بن العوام: هو حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة.
● أسماء بنت أبي بكر: هي ذات النطاقين، وأخت السيدة عائشة رضي الله عنهما، وهي من السابقات إلى الإسلام، وقد ضربت أروع الأمثلة في التضحية والبذل.
● الوعاء: هو الكيس أو الوعاء الذي يجمع فيه المال، و"لا توعي" كناية عن منع المال وكفه عن المستحقين.
- هذا الحديث أصل عظيم في أبواب الزكاة والصدقة، وفيه الحث على التنافس في الخيرات.
نسأل الله أن يجعلنا من المنفقين المعطين، ولا يجعلنا من البخلاء الممسكين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.