حديث: صُم وأفطِر وقُم ونَمُ فإن لنفسك حقًا

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب الاقتصاد في العبادة وكراهية التّشديد فيها

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله ﷺ: «ألم أُخْبرَ أَنَّك تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ؟» قلت: إني أفعل ذلك. قال: «فإنَّك إن فعلت ذلك هَجَمَتْ عينُك، ونَفِهَتْ نفسك، وإنَّ لنفسِك حقًّا، ولأهلك حقًّا، فصُم وأفطِر، وقُم ونَمُ».

متفق عليه: رواه البخاريّ في التهجد (١١٥٣)، ومسلم في الصوم (١١٥٩/ ١٨٨) كلاهما عن سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس، قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو فذكره.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله ﷺ: «ألم أُخْبرَ أَنَّك تقومُ الليلَ وتصومُ النهارَ؟» قلت: إني أفعل ذلك. قال: «فإنَّك إن فعلت ذلك هَجَمَتْ عينُك، ونَفِهَتْ نفسك، وإنَّ لنفسِك حقًّا، ولأهلك حقًّا، فصُم وأفطِر، وقُم ونَمُ».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل توجيهاً ربانياً في الاعتدال والتوازن في العبادة.
الراوي: هو الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وكان من الشباب المتحمسين للعبادة والطاعة.
شرح المفردات:
* هَجَمَتْ عينُك: أي غارت عينك واصفرت وذهبت نضارتها من قلة النوم والسهر. يقال: هَجَمَتِ العينُ، إذا ذهب ماؤها ونضرتها.
* نَفِهَتْ نفسك: أي تعبت وكلت وضعفت، والنَّفَه هو التعب والإعياء.
* حقًّا: أي نصيباً واجباً عليك تؤديه.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عمرو أنه بلغه أنه يبالغ في العبادة، فيقوم كل الليل ويصوم كل النهار دون أن يفطر. فأقر عبدالله بذلك. فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الفعل، مبيناً أن المبالغة في العبادة إلى هذا الحد ستؤدي إلى إرهاق البدن وإتعاب العين، وفقدان الطاقة. ثم أرشده صلى الله عليه وسلم إلى مبدأ التوازن، مؤكداً أن للإنسان حقوقاً على نفسه من راحة، ولأهله من صحبة ومعاشرة، فأمره أن يصوم ويفطر، وأن يقوم وينام، أي أن يعطي كل ذي حق حقه.
الدروس المستفادة والعبر:
1- رفع الحرج ورفع المشقة: من مقاصد الشريعة الإسلامية العظيمة التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، وعدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به. قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
2- التوازن والاعتدال في العبادة: الإسلام دين الوسطية، يرفض الإفراط والتفريط. فكما أن التقصير في العبادة مذموم، فإن المبالغة والإفراط فيها حتى تصل إلى حد إرهاق البودن وإهمال الحقوق الأخرى مذموم أيضاً.
3- مراعاة حقوق النفس والجسد: للجسد حق في الراحة، وللعين حق في النوم، وللنفس حق في الاستجمام. إرهاق الجسد بالطاعة قد يؤدي إلى الملل أو السآمة، أو قد يقطع العبادة بالكلية إذا أدى إلى المرض.
4- مراعاة حقوق الآخرين: للعائلة حقوق، من زوجة وأولاد، من صحبة ورعاية وإنفاق ومعاشرة، وإهمال هذه الحقوق بحجة الانشغال بالعبادة هو تقصير في حقهم.
5- العبادة الدائمة المستمرة أفضل من المنقطعة: العبادة التي يستطيع الإنسان المداومة عليها، ولو كانت قليلة، خير وأفضل من العبادة الشديدة التي ينقطع عنها بعد فترة. فخير العمل أدومه وإن قل.
6- حكمة النبي صلى الله عليه وسلم التربوية: لم ينهه عن العبادة تماماً، بل وجهه إلى الأفضل والأكمل، وهو الجمع بين حق الله تعالى وحق النفس وحق الأهل.
معلومات إضافية مفيدة:
* استجاب عبدالله بن عمرو رضي الله عنه لنصيحة النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مع تقدم سنه وكبر عمره عاد إلى الصوم الكثير، ولكنه كان يصوم بشكل متوازن (مثل صوم داود: صوم يوم وإفطار يوم) وهو ما أقرّه النبي صلى الله عليه وسلم له لاحقاً وقال له: «فصم صوم داود ولا تزد عليه».
* هذا الحديث أصل عظيم في باب الرقة والرحمة التي جاء بها الإسلام، وهو نقد للتصوف المنغلق الذي يهلك الجسد ويهمل الحياة.
* يدخل في هذا الباب النهي عن الوصال في الصوم (أي صوم يومين أو أكثر دون إفطار)، لما فيه من مشقة على النفس.
وفقنا الله وإياكم للعمل بما يحبه ويرضاه، والوسطية في الأمر كله.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في التهجد (١١٥٣)، ومسلم في الصوم (١١٥٩/ ١٨٨) كلاهما عن سفيان، عن عمرو، عن أبي العباس، قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو فذكره.
وعمرو هو: ابن دينار. وأبو العباس هو: السائب بن فروخ ويعرف بالشاعر.
قوله: هَجَمَتْ: ضَعُفَتْ لكثرة السهر.
وقوله: نَفِهتُ: أي كلَّت.
ولهذا الحديث قصة طويلة رواها الإمام أحمد (٦٤٧٧) عن هُشيم، عن حصين بن عبد الرحمن ومغيرة الضَّبِّي، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: زوَّجني أبي امرةً من قريشٍ، فلمّا دَخَلَتْ عليَّ جَعَلْتُ لا أنحاشُ لها، ممَّا بي من القوّة على العبادة، من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنَّتِه، حتَّى دخل عليها، فقال لها: كيف وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟ قالت: خَيْرُ الرِّجال، أو كخير البُعُولَة، مِن رجل لم يُفَتِّشْ لنا كَنَفًا، ولم يَعْرفْ لنا فِرَاشًا! فَأَقْبَل عليَّ، فَعَذَمَني وعضَّني بلسانه، فقال: أنْكحْتُك امرأةً من قريش ذاتَ حَسَبٍ، فَعَضَلْتَها، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ! ثمّ انطلق إلى النَّبِيّ ﷺ، فشكانيّ، فأرسل إليَّ النَّبِيّ ﷺ، فأتيته، فقال لي: «أَتَصُومُ النَّهَارَ؟» قلتُ: نعم، قال: «وتَقُومُ اللَّيْلَ؟» قلتُ: نعم، قال: «لكنِّي أصومُ وأفْطِرُ، وأُصلِّي وأنامُ، وأمَسُّ النساءَ، فمن رَغِبَ عن سُنَّتِي، فليس مِنِّي»، قال: «اقْرَأِ القرآنَ في كل شهرٍ»، قلت: إني أجدُني أقْوَى من ذلك، قال: «فاقرأه في كل عشرةِ أيامٍ»، قل: إني أجدُني أقْوى من ذلك، قال أحدُهما: إما حُصَيْنٌ وإما مغيرة: قال: «فاقرأه في كلِّ ثلاثٍ»، قال: ثمّ قال: «صُمْ في كلِّ شهرٍ ثلاثةَ أيام»، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: لم يَزَلْ يَرْفَعُنِي حتَّى قال: «صُمْ يومًا وأفْطِرْ يومًا، فإنه أفضلُ الصيامِ، وهو صيامُ أخي داود ﷺ».
قال حُصين في حديثه: ثمّ قال ﷺ: «فإنَّ لكل عابدٍ شِرَّةً، ولكل شِرَّةٍ فَتْرَة، فإمَّا إلى سُنَّة، وإما إلى بِدْعة، فمن كانت فَتْرَتُه إلى سُنَّةٍ، فقد اهتدى، ومن كانت فَتْرَتُه إلى غير ذلك، فقد هَلَكَ».
قال مجاهد: فكان عبد الله بن عمرو، حيثُ ضَعُف وكَبِير، يصومُ الأيامَ كذلك، يَصِلُ بعضَها إلى بعض، ليتقوَّى بذلك، ثمّ يُفطِرُ بِعَدِّ تلك الأيام، قال: وكان يقرأ في كُلٍّ حزبه كذلك، يزيدُ أحيانًا، ويَنْقُصُ أحيانًا، غير أنه يُوفي العَدَد، إما في سَبْعٍ، وإما في ثلاثٍ، قال: ثمّ كان يقولُ بعد ذلك: لأن أكونَ قَبْلُتُ رخصةَ رسول الله ﷺ أحبُّ إليَّ مما عُدلَ به أو عَدَل، لكنِّي فارقتُه على أمرٍ أكرهُ أن
أًخَالِفَه إلى غيره، وإسناده صحيح.
ومن طريق مغيرة الضَّبِّي رواه البخاريّ في فضائل القرآن (٥٠٥٢) إِلَّا أنه اختصره.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 1000 من أصل 1241 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: صُم وأفطِر وقُم ونَمُ فإن لنفسك حقًا

  • 📜 حديث: صُم وأفطِر وقُم ونَمُ فإن لنفسك حقًا

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: صُم وأفطِر وقُم ونَمُ فإن لنفسك حقًا

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: صُم وأفطِر وقُم ونَمُ فإن لنفسك حقًا

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: صُم وأفطِر وقُم ونَمُ فإن لنفسك حقًا

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب