ثلاثة من الولد لا يمسهم النار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم في بابه، يدل على عظيم فضل الله تعالى ورحمته بعباده المؤمنين، وسأشرحه لك شرحًا وافيًا مستندًا إلى كلام أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث وروايته:

الحديث له عدة روايات عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي:
1. «لا يموت لأحدٍ من المسلمين ثلاثةٌ من الولد فتمسَّه النارُ إلَّا تحلَّة القسم».
2. «لا يموت لمسلمٍ ثلاثةٌ من الولدِ فيلِجَ النارَ إلَّا تحلَّةَ القَسَم».
3. «لا يموت لإحداكنَّ ثلاثةٌ من الولد فتحتسبه إلَّا دخلت الجنَّة».

---

1. شرح المفردات:

* ثلاثة من الولد: المقصود ثلاثة أطفال، سواءً كانوا ذكورًا أو إناثًا، ويشمل ذلك من ماتوا صغارًا قبل البلوغ.
* فتمسه النار / فيلج النار: أي لا يدخل النار أو يصيبه عذابها.
* إلا تحلة القسم: هذه من أهم عبارات الحديث وأكثرها إشكالاً.
* تحلة: في اللغة مأخوذة من "حَلَّ" بمعنى وفى وأبرأ. فـ "تحلة القسم" هي ما يوفى به القسم أو يُبرأ به.
* القسم: هو قسم الله تعالى وقضاؤه الذي قضاه بأن كل أحد سيدخل النار أولاً، أو أنه لا يدخلها أحد إلا بعد أن يجتاز الصراط وينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه قسم قضاه بأن من مات على الكفر فهو من أهل النار.
* فالمعنى الإجمالي: أن هذا المسلم لا يدخل النار دخول خلود، بل يدخلها إن دخلها دخولاً مؤقتًا (كما في مرور الناس على الصراط) ليفي الله بقسمه أو بقضائه الذي سبق، ثم يخرج منها بفضل الله ورحمته وبرحمة هؤلاء الأطفال الذين صبر واحتسبهم عند الله.
* لإحداكن: الخطاب هنا للنساء، مما يدل على أن هذا الفضل يعم الآباء والأمهات على حد سواء.
* فتحتسبه: أي تصبر على مصيبة فقده وتحتسب الأجر عند الله تعالى، راجية ثوابه. وهذا شرط مهم لحصول هذه الفضيلة.

---

2. شرح الحديث:

معنى الحديث أن الله تعالى بفضله ورحمته قد جعل فقدان الأولاد الصغار سببًا في النجاة من النار للوالدين المؤمنين الصابرين المحتسبين.
* المقصود بعدم الدخول: المقصود هو النجاة من النار والخلود فيها، أما الدخول المؤقت الذي يكون لأهل الإيمان بسبب ذنوبهم عند المرور على الصراط أو غير ذلك، فهو داخل في استثناء "إلا تحلة القسم". فالمؤمن قد يدخل النار ليكفر عن ذنوبه ثم يخرج منها بشفاعة أو برحمة الله، ولا يخلد فيها.
* حكمة هذا الفضل: فقدان الولد من أشد المصائب على النفس، فمن صبر واحتسب، كان هذا الصبر والاحتساب سببًا في تكفير سيئاته ورفع درجاته، حتى يبلغ بهم هذا الفضل العظيم وهو النجاة من النار.
* العدد "ثلاثة": ذكر العدد "ثلاثة" للدلالة على الكثرة وشدة المصاب، وليس للتقليل. بل جاءت أحاديث أخرى تدل على أن فضل هذا الصبر يشمل من مات له ولد واحد أو اثنان، لكن الثلاثة فيها مزيد فضل وعطاء من الله. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضله ورحمته إياها الجنة». وقيل للرسول صلى الله عليه وسلم: واثنان؟ قال: «واثنان».

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- سعة رحمة الله تعالى: الحديث من أعظم الأدلة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه، حيث جعل مصيبةً في الدنيا سببًا للنجاة من عذاب الآخرة.
2- فضل الصبر على مصيبة فقد الأولاد: يحث الحديث الوالدين على الصبر والاحتساب عند وفاة أطفالهم، وعدم الجزع أو التسخط، فهذه المصيبة العظيمة فيها أجر عظيم.
3- بيان مكانة الأطفال في الإسلام: الأطفال الذين يموتون صغارًا هم من أهل الجنة، وهم شفعاء لآبائهم وأمهاتهم يوم القيامة بشفاعة يقبلها الله تعالى.
4- التساوي في الأجر: الحديث يخص النساء في إحدى رواياته، مما يدل على أن هذا الفضل يعم الأمهات كما يعم الآباء، وهذا من تكريم الإسلام للمرأة.
5- الحث على الدعاء بالأولاد الصالحين: حتى وإن ماتوا صغارًا، فهم خير وبركة وسبب في رحمة الله للوالدين.

---

4. معلومات إضافية:

* حكم الحديث: الحديث صحيح، وقد أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
* هل الشرط هو العدد أم الصبر؟: الشرط الأساسي هو إيمان الوالدين وصبرهما واحتسابهما. والعدد "ثلاثة" يدل على بلوغ المصاب درجة عظيمة تستحق هذا الفضل العظيم، ولكن من مات له ولد واحد أو اثنان وصبر واحتسب، فإنه ينال أجرًا عظيمًا أيضًا، كما في الأحاديث الأخرى.
* لا يتعارض مع ارتكاب الكبائر: هذا الفضل لا يعني أن الوالد يس