حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب من أدّى الزكاة ينال أجر المهاجر في سبيل الله
متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٥٢)، ومسلم في الإمارة (١٨٦٥) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم، حدّثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، حدّثني ابن شهاب الزهريّ، حدّثني عطاء ابن يزيد اللّيثي، أنه حدّثهم، قال: حدّثني أبو سعيد الخدري، فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل معاني عظيمة في بيان سعة رحمة الله وفضل العمل الصالح في أي مكان. وإليك الشرح المفصل:
الحديث بلفظه كاملاً:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أعرابيًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال: «ويحك إنّ شأنها شديد! فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟». قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئًا».
(رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حسن).
1. شرح المفردات:
* ويحك: كلمة pity وتعني "الترحم" على الشخص، تُقال تحذيرًا له من أمر عظيم أو تشفُقًا عليه. وهي ليست دعاءً بالهلاك، بل فيها معنى الرحمة والتحذير.
* شأنها شديد: أي أمرها عظيم وصعب، يشق على النفس تحمله، لما في الهجرة من فراق الوطن والأهل والمال والمشاق في الطريق.
* هل لك من إبل تؤدي صدقتها؟: سأله النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يملك من الإبل ما يبلغ النصاب ويستطيع أن يخرج زكاتها، وهذا دليل على أنه صاحب مال وثروة.
* من وراء البحار: أي في أقصى الأرض وبُعدها، والمقصود هو البقاء في بلده والعمل الصالح فيه، وليس الهجرة بالمعنى الحرفي.
* لن يترك من عملك شيئًا: لن يضيع الله تعالى أي عمل صالح تعمله، بل سيوفيك أجره كاملاً غير منقوص.
2. شرح الحديث:
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الهجرة، وكانت الهجرة في ذلك الوقت فريضة على كل مسلم قادر، ليلحق بالدولة الإسلامية في المدينة المنورة.
فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم نصحاً حانياً مشفقاً، مبيناً له أن الهجرة شاقة ومليئة بالمخاطر والمتاعب (مثل فراق الأهل والوطن، ومشقة السفر، وخطر الطريق من قطاع الطرق وغيرهم).
ثم سأله سؤالاً يكتشف به وضعه: هل لديك إبل تؤدي زكاتها؟ وهذا السؤال يحمل معنيين:
* معنى ظاهري: الاستفسار عن حاله المادية.
* معنى باطني عميق: اختبار مدى تمسكه بتعاليم الإسلام الأساسية، فإذا كان يؤدي الزكاة – وهي ركن من أركان الإسلام – فهذا دليل على إيمانه وقوة تعلقه بدينه.
فلما أجاب الأعرابي بنعم، دلّ على أنه متمسك بدينه قائم بأركانه. هنا وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى البديل الذي يناسبه ويُسقط عنه الحرج والمشقة، ألا وهو البقاء في أرضه مع القيام بالأعمال الصالحة، مؤكداً له أن الله تعالى لن يضيع أجره أبداً، حتى لو كان بعيداً عن دار الهجرة. أي أن فضل الله واسع، وأجر العمل الصالح لا يرتبط بمكان، بل بنية العبد وإخلاصه.
3. الدروس المستفادة والعبر:
1- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بأمته: حيث خاطب السائل بـ"ويحك" تخفيفاً عليه وشفقة، ولم يزجره أو يوبخه على سؤاله.
2- التيسير ورفع الحرج في الإسلام: الإسلام دين يسر، وليس عسراً. فإذا تعذر على المسلم فعل أمر مشق عليه، فإن الله يفتح له أبواباً أخرى للخير والأجر. وهذا من أعظم صور التيسير في الشريعة.
3- سعة فضل الله تعالى: فعملك الصالح في أي مكان، بنية صادقة، يكون مقبولاً عند الله موصول الأجر. فالله لا ينظر إلى صوركم وأماكنكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
4- أهمية النية والإخلاص: المعيار الحقيقي هو إخلاص العمل لله، وليس مجرد التواجد في مكان معين. فالعبرة بحقيقة العمل لا بمظهره.
5- الحكمة في الدعوة والتعليم: حيث استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب السؤال ليعرف حالة الرجل أولاً، ثم أعطاه الحل المناسب لحالته. وهذا درس عظيم للمعلمين والدعاة.
6- بيان أن الهجرة ليست غاية في ذاتها: بل الغاية هي تحقيق العبودية لله. فإذا تحققت العبودية بالعمل الصالح في أي مكان، فإن أجرها ثابت.
4. معلومات إضافية مفيدة:
* هذا الحديث كان في فترة كانت الهجرة فيها واجبة على المسلمين، وبعد فتح مكة أصبحت الهجرة من مكة غير واجبة، لأنها أصبحت دار إسلام.
* استمرت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة على القادر الذي لا يستطيع إظهار دينه.
* الهجرة أنواع: هجرة بالجسم من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهجرة بالقلب من المعاصي إلى الطاعات، وهجرة باللسان عن الكلام الباطل. والحديث يشير إلى أن من لم يستطع الهجرة بالجسم يمكنه أن يعوّض ذلك بالهجرة بالقلب واللسان والعمل الصالح.
* قوله صلى الله عليه وسلم "من وراء البحار" من أبلغ الكلام، حيث كان العرب يرون البحر نهاية العالم وأقصاه، فكأنه يقول له: حتى لو كنت في أقصى ما يتخيله الإنسان من البعد، فالله معك وسيجزيك.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تخريج الحديث
قوله: «إنّ الله لن يترك من عملك شيئًا» أي أن الله لن ينتقص من عملك، مثل قوله: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [سورة محمد: ٣٥].
فائدة: قال الحافظ ابن حجر: «في هذا الحديث فضل أداء زكاة الإبل، ومعادلة إخراج حق الله منها لفضل الهجرة؛ فإن في الحديث إشارة إلى أن استقراره بوطنه إذا أدّى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته بالمدينة».
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 148 من أصل 379 حديثاً له شرح
- 123 ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في...
- 124 قد سمعت ما قلت فيه وإني أرى أن تجعلها في...
- 125 من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب
- 126 إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا
- 127 الله يربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فَلُوَّه أو...
- 128 يتلقى الله الصدقة بيده ويربيها كما يربي أحدكم فلوّه
- 129 من جمع مالًا حرامًا ثم تصدق به لم يكن له...
- 130 لا تطعموا المساكين ما لا تأكلون
- 131 يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار
- 132 من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة وإن زنى...
- 133 الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة والصلاة قربان
- 134 ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو...
- 135 ما نقص مال عبد من صدقة
- 136 رأيت وجه رسول الله ﷺ يتهلل كأنه مذهب
- 137 من تحامل في الصدقة فتصدق بمد
- 138 لا توعي فيوعي الله عليك
- 139 أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء ولا يخرج إلا...
- 140 تصدقت عائشة فقال النبي: لا تحصي فيحصى عليك
- 141 كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس
- 142 ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان
- 143 القليل الكافي خير من الكثير المشتت
- 144 البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد
- 145 «افعل ولك بها نخلة في الجنة»
- 146 كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة
- 147 بعني عذقك الذي في حائط فلان
- 148 الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
- 149 تصدقوا قبل أن يأتي يوم لا يقبل فيه صدقة
- 150 المال يفيض حتى يهم رب المال من يقبله صدقة
- 151 يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد من يقبلها
- 152 تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة
- 153 يأتي زمان لا يجد الرجل من يأخذ صدقته من الذهب
- 154 يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها
- 155 من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له سترًا من...
- 156 إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السوق فتحامل فيصيب المد
- 157 اتقوا النار ولو بشق تمرة
- 158 اتقاء النار ولو كانت الصدقة قليلة
- 159 اتقاء النار بنصف تمرة
- 160 اشفعوا تؤجروا ويقض الله على لسان رسوله ما شاء
- 161 اشفعوا تؤجروا
- 162 أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ
- 163 خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى
- 164 اليد العليا خير من اليد السفلى
- 165 وخير الصدقة عن ظهر غنى
- 166 إمسك عليك بعض مالك فهو خير لك
- 167 يقول الله: ابن آدم! أني تعجزني وقد خلقتك من مثل...
- 168 أفضل الصدقة عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول
- 169 جهد المقل وابدأ بمن تعول
- 170 جهد المقل أفضل الصدقة
- 171 سبق درهم مائة ألف درهم
- 172 الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ
معلومات عن حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
📜 حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Thursday, November 20, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








