حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب من أدّى الزكاة ينال أجر المهاجر في سبيل الله

عن أبي سعيد الخدري: أن أعرابيًا سأل رسول الله ﷺ عن الهجرة فقال: «ويحك إنّ شأنها شديد! فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟». قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئًا».

متفق عليه: رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٥٢)، ومسلم في الإمارة (١٨٦٥) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم، حدّثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، حدّثني ابن شهاب الزهريّ، حدّثني عطاء ابن يزيد اللّيثي، أنه حدّثهم، قال: حدّثني أبو سعيد الخدري، فذكره.

عن أبي سعيد الخدري: أن أعرابيًا سأل رسول الله ﷺ عن الهجرة فقال: «ويحك إنّ شأنها شديد! فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟». قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئًا».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل معاني عظيمة في بيان سعة رحمة الله وفضل العمل الصالح في أي مكان. وإليك الشرح المفصل:

الحديث بلفظه كاملاً:


عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أعرابيًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال: «ويحك إنّ شأنها شديد! فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟». قال: نعم. قال: «فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئًا».
(رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حسن).


1. شرح المفردات:


* ويحك: كلمة pity وتعني "الترحم" على الشخص، تُقال تحذيرًا له من أمر عظيم أو تشفُقًا عليه. وهي ليست دعاءً بالهلاك، بل فيها معنى الرحمة والتحذير.
* شأنها شديد: أي أمرها عظيم وصعب، يشق على النفس تحمله، لما في الهجرة من فراق الوطن والأهل والمال والمشاق في الطريق.
* هل لك من إبل تؤدي صدقتها؟: سأله النبي صلى الله عليه وسلم إن كان يملك من الإبل ما يبلغ النصاب ويستطيع أن يخرج زكاتها، وهذا دليل على أنه صاحب مال وثروة.
* من وراء البحار: أي في أقصى الأرض وبُعدها، والمقصود هو البقاء في بلده والعمل الصالح فيه، وليس الهجرة بالمعنى الحرفي.
* لن يترك من عملك شيئًا: لن يضيع الله تعالى أي عمل صالح تعمله، بل سيوفيك أجره كاملاً غير منقوص.


2. شرح الحديث:


جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الهجرة، وكانت الهجرة في ذلك الوقت فريضة على كل مسلم قادر، ليلحق بالدولة الإسلامية في المدينة المنورة.
فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم نصحاً حانياً مشفقاً، مبيناً له أن الهجرة شاقة ومليئة بالمخاطر والمتاعب (مثل فراق الأهل والوطن، ومشقة السفر، وخطر الطريق من قطاع الطرق وغيرهم).
ثم سأله سؤالاً يكتشف به وضعه: هل لديك إبل تؤدي زكاتها؟ وهذا السؤال يحمل معنيين:
* معنى ظاهري: الاستفسار عن حاله المادية.
* معنى باطني عميق: اختبار مدى تمسكه بتعاليم الإسلام الأساسية، فإذا كان يؤدي الزكاة – وهي ركن من أركان الإسلام – فهذا دليل على إيمانه وقوة تعلقه بدينه.
فلما أجاب الأعرابي بنعم، دلّ على أنه متمسك بدينه قائم بأركانه. هنا وجهه النبي صلى الله عليه وسلم إلى البديل الذي يناسبه ويُسقط عنه الحرج والمشقة، ألا وهو البقاء في أرضه مع القيام بالأعمال الصالحة، مؤكداً له أن الله تعالى لن يضيع أجره أبداً، حتى لو كان بعيداً عن دار الهجرة. أي أن فضل الله واسع، وأجر العمل الصالح لا يرتبط بمكان، بل بنية العبد وإخلاصه.


3. الدروس المستفادة والعبر:


1- رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بأمته: حيث خاطب السائل بـ"ويحك" تخفيفاً عليه وشفقة، ولم يزجره أو يوبخه على سؤاله.
2- التيسير ورفع الحرج في الإسلام: الإسلام دين يسر، وليس عسراً. فإذا تعذر على المسلم فعل أمر مشق عليه، فإن الله يفتح له أبواباً أخرى للخير والأجر. وهذا من أعظم صور التيسير في الشريعة.
3- سعة فضل الله تعالى: فعملك الصالح في أي مكان، بنية صادقة، يكون مقبولاً عند الله موصول الأجر. فالله لا ينظر إلى صوركم وأماكنكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
4- أهمية النية والإخلاص: المعيار الحقيقي هو إخلاص العمل لله، وليس مجرد التواجد في مكان معين. فالعبرة بحقيقة العمل لا بمظهره.
5- الحكمة في الدعوة والتعليم: حيث استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب السؤال ليعرف حالة الرجل أولاً، ثم أعطاه الحل المناسب لحالته. وهذا درس عظيم للمعلمين والدعاة.
6- بيان أن الهجرة ليست غاية في ذاتها: بل الغاية هي تحقيق العبودية لله. فإذا تحققت العبودية بالعمل الصالح في أي مكان، فإن أجرها ثابت.


4. معلومات إضافية مفيدة:


* هذا الحديث كان في فترة كانت الهجرة فيها واجبة على المسلمين، وبعد فتح مكة أصبحت الهجرة من مكة غير واجبة، لأنها أصبحت دار إسلام.
* استمرت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة على القادر الذي لا يستطيع إظهار دينه.
* الهجرة أنواع: هجرة بالجسم من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهجرة بالقلب من المعاصي إلى الطاعات، وهجرة باللسان عن الكلام الباطل. والحديث يشير إلى أن من لم يستطع الهجرة بالجسم يمكنه أن يعوّض ذلك بالهجرة بالقلب واللسان والعمل الصالح.
* قوله صلى الله عليه وسلم "من وراء البحار" من أبلغ الكلام، حيث كان العرب يرون البحر نهاية العالم وأقصاه، فكأنه يقول له: حتى لو كنت في أقصى ما يتخيله الإنسان من البعد، فالله معك وسيجزيك.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الزكاة (١٤٥٢)، ومسلم في الإمارة (١٨٦٥) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم، حدّثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، حدّثني ابن شهاب الزهريّ، حدّثني عطاء ابن يزيد اللّيثي، أنه حدّثهم، قال: حدّثني أبو سعيد الخدري، فذكره.
قوله: «إنّ الله لن يترك من عملك شيئًا» أي أن الله لن ينتقص من عملك، مثل قوله: ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [سورة محمد: ٣٥].
فائدة: قال الحافظ ابن حجر: «في هذا الحديث فضل أداء زكاة الإبل، ومعادلة إخراج حق الله منها لفضل الهجرة؛ فإن في الحديث إشارة إلى أن استقراره بوطنه إذا أدّى زكاة إبله يقوم له مقام ثواب هجرته وإقامته بالمدينة».

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 148 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟

  • 📜 حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: الهجرة شأنها شديد فهل لك من إبل تؤدي صدقتها؟

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب