ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

حديث: ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

عن ابن عباس أن النبي ﷺ التفت إلى أحد فقال: «والذي نفس محمد بيده، ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله، أموت يوم أموت أدع منه دينارين، إلا دينارين أعدهما لدين إن كان». فَمات وما ترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا وليدة، وترك درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير.

حسن: رواه أحمد (٢٧٢٤) وأبو يعلى (٢٦٨٤) والبزار - كشف الأستار (٣٦٨٢) وعبد بن حُميد (٥٩٨) كلهم من حديث هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من أحاديث النبي الكريم ﷺ، يرويه لنا حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه.

أولاً. شرح المفردات:

● يُحول لآل محمد: أي يُعطى أو يُهب لآل بيت النبي محمد ﷺ.
● ذهبا أنفقه في سبيل الله: أي مالاً كثيراً من الذهب أصرفه في الجهاد والخير.
● دينارين: الدينار هو عملة ذهبية، والديناران مبلغ صغير.
● أعدهما لدين: أي أتركهما كاحتياطي لسداد دين قد أكون مديناً به.
● درهما: عملة فضية.
● وليدة: جارية أو أمة.
● مرهونة: شيء يُعطى كرهن أو ضمان للدين حتى يتم سداده.
● صاعا من شعير: الصاع مكيال يساوي approximately 2.04 كيلوغرام في زمننا، والشعير نوع من الحبوب.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ التفت إلى أحد الصحابة (وفي رواية: إلى جابر بن عبد الله) وقال مقسماً بالله الذي يمسك روح محمد بيده: "ما يسرني" أي ما يفرحني أو ما أحب أن "أحداً يُحول لآل محمد ذهباً" أي أن يعطيني أو يعطي عائلتي كنزاً من الذهب، حتى لو كان سأنفقه كله في سبيل الله (في الجهاد وأعمال الخير).
ثم بين ﷺ السبب، فقال: "أموت يوم أموت أدع منه دينارين" أي أخشى إذا مت أن أترك ورائي من هذا المال دينارين (أي مالاً قليلاً)، "إلا دينارين أعدهما لدين إن كان"، يعني أن الاستثناء الوحيد الذي قد أتقبله هو أن أترك دينارين فقط كاحتياطي لسداد أي دين قد أكون قد التزمت به ولم أستطع سداده قبل الموت.
ثم يختم ابن عباس روايته بحقيقة تؤكد صدق كلام النبي ﷺ وتجسده على أرض الواقع، فيقول: "فمات وما ترك دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا وليدة". فقد مات رسول الله ﷺ ولم يخلف وراءه أي كنز من الذهب أو الفضة، ولا أي عبد مملوك أو جارية. بل إن كل ما ترك كان بسيطاً وزهداً في الدنيا.
بل الأكثر من ذلك، أنه ﷺ "ترك درعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير". فقد كان قد استدان من يهودي طعاماً (شعيراً) لعائلته، ووضع درعه (وهي الدروع التي تحمي المحارب في المعركة) كرهن أو ضمان عند ذلك اليهودي حتى يسدد الدين. فمات ﷺ والدرع ما زالت مرهونة، مما يدل على أنه مات وهو مدين بهذا المبلغ البسيط.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الزهد في الدنيا والتجرد لها: يظهر الحديث أعلى درجات الزهد التي بلغها النبي ﷺ. فمع كونه سيد الخلق وأحب الخلق إلى الله، وكان بإمكانه أن يكون أغنى الناس، إلا أنه آثر الآخرة على الدنيا، واختار حياة البساطة والتقشف.
2- خوف النبي ﷺ من تبعات المال: حتى وهو ينفقه في سبيل الله، كان يخشى ﷺ أن يموت وله مال قليل، لا لأنه يحرص عليه، بل لأنه يخاف أن يكون قد قصّر في حق أحدٍ من الناس ولم يسدد ديناً له.
3- القدوة العملية في عدم التكاثر بالمال: لقد جسّد النبي ﷺ في حياته مبدأ "كونوا في الدنيا كأنكم غرباء أو عابرو سبيل"، فلم يبنِ قصوراً، ولم يجمع أموالاً، بل عاش كأفقر الناس.
4- جواز الاستدانة عند الحاجة: إذا احتاج الإنسان للاستدانة في أمور ضرورية لحياته أو حياة أهله، فلا حرج في ذلك، وقد فعلها النبي ﷺ نفسه.
5- جواز الرهن: الحديث أصل في مشروعية الرهن (الرهن) لضمان حق الدائن، وهو ما نظمه الإسلام لاحقاً في آيات القرآن.
6- معاملة النبي ﷺ العادلة حتى مع غير المسلمين: لقد تعامل النبي ﷺ مع يهودي واستدان منه، ووضع عنده رهناً، ولم يستغل نبوته أو منصبه ليهضم حق ذلك اليهودي، بل أعطاه حقه الكامل وأمنه على ماله.
7- صدق النبي ﷺ: فها هو الواقع بعد موته يثبت صدق كل كلمة قالها، حيث مات ولم يترك إلا القليل، بل ترك ديناً بسيطاً.

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث هو ردٌ بليغ على كل من يدّعي أن النبي ﷺ طلب الدنيا أو جمع المال، فهو قد رفض عطاء الدنيا وهو قادر عليها.
- يوضح الحديث أن ترك النبي ﷺ للدين كان لحكمة عظيمة، وهي تعليم أمته الزهد وعدم التعلق بالدنيا، وليس لأنه لم تتح له الفرصة للغنى.
- قصة رهن الدرع تم سدادها لاحقاً، حيث قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه (وفي رواية علي رضي الله عنه) بسداد دين النبي ﷺ وفك رهن الدرع بعد وفاته، تنفيذاً لوصيته ﷺ وتكريماً له.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتأسين برسول الله ﷺ في زهده وورعه وتقواه، وأن ير

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (٢٧٢٤) وأبو يعلى (٢٦٨٤) والبزار - كشف الأستار (٣٦٨٢) وعبد بن حُميد (٥٩٨) كلهم من حديث هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره.
وإسناده حسن من أجل هلال بن خباب العبدي مولاهم أبو العلاء البصري، فإنه مختلف فيه غير أنه حسن الحديث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 123 من أصل 379 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

📜 حديث: ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ما يسرني أن أحدا يُحول لآل محمد ذهبا أنفقه في سبيل الله

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية