صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

حديث: صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال لي رسول الله ﷺ: «يا عبد الله، ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟» فقلت: بلى يا رسول الله، قال: «فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًّا، وإنّ لعينك عليك حقًّا، وإنّ لزوجك عليك حقًّا، وإن لزورك عليك حقًّا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإنّ ذلك صيام الدّهر كلّه» فشددتُ فشُدِّد عليَّ. قلت: يا رسول الله، إني أجد قوّة، قال: فصُمْ صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزدْ عليه. قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: نصفَ الدّهر. فكان عبد الله يقول بعدما كَبِر: يا ليتني قبلتُ رُخصةَ النبيِّ ﷺ.
وفي رواية: «لا صوم فوق صوم داود عليه السلام: شطر الدَّهر، صم يومًا وأفطر يومًا».
وفي رواية: «صُمْ أفضلَ الصِّيام عند الله، صومُ داود عليه السلام كان يصوم يومًا ويفطر يومًا».

متفق عليه: رواه البخاري في الصيام (١٩٧٥)، ومسلم في الصوم (١١٥٩: ١٨٢) كلاهما من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي ﷺ، يحمل في طياته دروسًا عظيمة في التوازن والاعتدال في العبادة، وهو من رواية الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● تصوم النهار وتقوم الليل: أي تستمر في الصيام نهارًا دون إفطار، والقيام للصلاة ليلاً دون نوم.
● فشددت فشدد علي: أي بالغت في التشديد على نفسي في العبادة، فكان الجزاء من جنس العمل، فشُدد علي بالتكليف.
● صيام نبي الله داود: وهو الصوم الذي كان يداوم عليه النبي داود عليه السلام.
● شطر الدهر: نصف الزمان أو نصف الأيام.
● رخصة النبي ﷺ: التيسير الذي أباحه النبي ﷺ من عدم المبالغة في الصوم.

ثانيًا. شرح الحديث:

يبدأ الحديث باستفسار النبي ﷺ من عبد الله بن عمرو عن بلاغ وصل إليه بأنه يصوم النهار كله ويقوم الليل كله، فأكد عبد الله ذلك. هنا يظهر حرص الصحابي على الخير والعبادة، لكن النبي ﷺ نبهه إلى خطورة المبالغة في العبادة حتى وإن كانت قربة إلى الله، لأن في ذلك إهمالًا لحقوق أخرى واجبة.
فأمره النبي ﷺ بعدم المداومة على الصوم والقيام بهذه الصورة، بل أن يصوم ويفطر، ويقوم وينام، وذلك لأن:
1- لجسدك عليك حقًا: فالجسد له حق الراحة والتغذية، وإرهاقه بالعبادة قد يضعفه عن مواصلة الطاعة.
2- ولعينك عليك حقًا: فالعين تحتاج إلى النوم والسكنينة، وإجهادها بالسهر قد يضر بها.
3- ولزوجك عليك حقًا: فالزوجة لها حق المعاشرة والرفق، وإهمالها بسبب الانشغال بالعبادة ظلم لها.
4- ولزورك عليك حقًا: أي للضيف والزائر حق الإكرام والضيافة.
ثم بين النبي ﷺ أن صوم ثلاثة أيام في الشهر يعادل صوم الدهر كله، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فصوم الثلاثة يعادل صوم ثلاثين يومًا، أي شهرًا كاملاً، فكأنه صام السنة كلها.
ولما أصر عبد الله على المزيد بحجة أنه يجد قوة، بين له النبي ﷺ أفضل صوم بعد الفريضة، وهو صوم داود عليه السلام، وهو صوم يوم وإفطار يوم، وهو صوم نصف الدهر، ومع ذلك نهى عن الزيادة عليه.
وفي آخر الحديث ندم عبد الله بن عمرو عندما كبر على عدم قبول رخصة النبي ﷺ، لأنه وجد أن القوة التي كان يحس بها في الشباب قد ضعفت مع الكبر، فكان يتمنى لو أنه التزم بالتيسير الذي أرشده إليه النبي ﷺ.

ثالثًا. الدروس المستفادة من الحديث:

1- الاعتدال في العبادة: الإسلام دين التوازن، فلا إفراط ولا تفريط، فالمبالغة في العبادة قد تؤدي إلى الملل أو الضعف.
2- مراعاة حقوق الآخرين: العبادة لا تتعارض مع حقوق الأهل والجسد والضيف، بل إن إعطاء كل ذي حق حقه عبادة.
3- القصد والاستمرار: العبادة المستمرة المعتدلة أفضل من العبادة المنقطعة الشديدة، كما قال النبي ﷺ: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
4- قبول رخصة الله ورسوله: لا ينبغي للمسلم أن يشق على نفسه بما لم يشرعه الله، بل عليه أن يقتدي بالنبي ﷺ في القصد والاعتدال.
5- فضل صوم داود: هو أفضل صوم النفل، لأنه يجمع بين الصوم والإفطار، فيعطي الجسم حقه، ويحصل الصائم على أجر عظيم.

رابعًا. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أصل في ذم الغلو في الدين، وهو من أسباب حفظ قوة المسلم ونشاطه.
- صوم ثلاثة أيام من كل شهر (أيض البيض) من السنن المستحبة، وهو يكفر السيئات ويرفع الدرجات.
- الحديث يدل على أن المشقة تجلب التيسير، فلمّا شق عبد الله على نفسه، شُدد عليه، فلما طلب التخفيف، خُفف عنه.
- فيه دليل على أن العبادة لا بد أن تكون وفق ما شرعه الله ورسوله، لا وفق الهوى والرأي.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا من المقبولين المعتدلين في دينهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الصيام (١٩٧٥)، ومسلم في الصوم (١١٥٩: ١٨٢) كلاهما من حديث يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكره. واللفظ للبخاريّ.
والرواية الثانية للبخاري (١٩٨٠) من طريق أبي المليح عن عبد الله بن عمرو.
والرواية الثالثة لمسلم (١١٥٩: ١٩٢) من طريق أبي عياض عن عبد الله بن عمرو.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 177 من أصل 428 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

📜 حديث: صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: صم يومًا وأفطر يومًا صيام داود عليه السلام

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية