حديث: رفض البيعة على الموت بعد النبي

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب مبايعة الإمام الجيش عند القتال

عن عبد الله بن زيد قال: لما كان زمن الحرة أتاه آتٍ فقال له: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله ﷺ.

متفق عليه: رواه البخاري في الجهاد والسير (٢٩٥٩)، ومسلم في الإمارة (١٨٦١: ٨١) كلاهما من طريق وُهيب، حدثنا عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد قال فذكره.

عن عبد الله بن زيد قال: لما كان زمن الحرة أتاه آتٍ فقال له: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله ﷺ.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام البخاري في "صحيحه" (رقم 7056) عن الصحابي الجليل عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه، وهو صحابي شهد بيعة العقبة، وهو الذي أريَ صفة الوضوء والصلاة في المنام.
شرح الحديث:
* زمن الحرة: يشير إلى وقعة الحرة، وهي من الأحداث الأليمة في التاريخ الإسلامي، وقعت سنة 63 هـ في خلافة يزيد بن معاوية. حيث خرج أهل المدينة عليه، فبعث جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة المري، فاقتتلوا في مكان يسمى "الحرة" شرق المدينة، ووقعت مأساة عظيمة.
* أتاه آتٍ: أي جاءه رجل.
* ابن حنظلة: هو عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الغسيل، وهو صحابي ابن صحابي، وكان من قادة الثورة على يزيد في المدينة، وقد استشهد في هذه الواقعة.
* يبايع الناس على الموت: أي يأخذ منهم البيعة على أن يقاتلوا حتى يُقتلوا، ولا يفروا من الموت، وهي بيعة على الثبات في المعركة وعدم الفرار، وهي من أعلى درجات الجهاد.
* لا أبايع على هذا أحدًا بعد رسول الله ﷺ: أي أن عبد الله بن زيد رضي الله عنه رفض أن يبايع على الموت في هذه الواقعة بالذات.
شرح المفردات:
* الحرة: الأرض التي تكسوها حجارة سوداء.
* آتٍ: جاءه شخص (مبهم غير معين).
* يبايع: يأخذ العهد والميثاق على السمع والطاعة.
* على الموت: أي على الثبات حتى الموت وعدم الفرار.
الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
1- الفهم العميق للصحابة رضي الله عنهم: موقف عبد الله بن زيد رضي الله عنه لا ينبع من جبن أو تقصير في الدين، بل هو موقف فقهي عميق. لقد فهم أن البيعة على الموت كانت خصوصية للنبي ﷺ في ظروف معينة، كبيعة الرضوان (بيعة الشجرة) تحت الشجرة في الحديبية، حيث بايع الصحابة النبي ﷺ على ألا يفروا حتى الموت. فرفض أن يُشرع هذا النوع من البيعة لغير النبي ﷺ، لأنه يعلم أن القتال له أحكامه وشروطه، وأنه لا يجوز الإلقاء باليد إلى التهلكة بغير حكمة.
2- ذكاء الصحابة وورعهم: يظهر الموقف الورع لعبد الله بن زيد، حيث خشي أن تكون بيعة على الموت في هذه الظروف فتنة وهرجًا (قتالاً فوضويًا) لا طائل تحته، أو أن تكون خروجًا على الإمام الذي تجب طاعته في المعروف، حتى لو كان فيه ظلم، ما دام لم يصل إلى الكفر البواح. فقد رأى أن المصلحة في عدم إشاعة الفتنة ودرء المفسدة مقدمة على بيعة قد تؤدي إلى سفك دماء المسلمين بغير حق.
3- الفرق بين الجهاد الشرعي والقتال في الفتنة: الصحابة كانوا أعلم الناس بحدود الجهاد. الجهاد الشرعي له أهداف واضحة وشروط. أما القتال في الفتنة بين المسلمين، فقد وصفه النبي ﷺ بأنه "كفر" أي كفر بنعمة الأخوة، وحذر منه أشد التحذير، وأمر من وجد نفسه فيه أن "يكسر قوسه ويقطع وتره ويجلس في بيته". فربما رأى عبد الله بن زيد أن المعركة آيلة إلى هزيمة ومفسدة عظيمة، فامتنع عن البيعة على الموت فيها.
4- رفض التطرف والعاطفة غير المنضبطة: الموقف يمثل حكمة واعتدالاً في زمن الاضطراب والعاطفة الجياشة. فابن حنظلة رضي الله عنه وأصحاه كان دافعهم الغيرة على الدين، لكن عبد الله بن زيد نظر بنور النبوة وفقه السلف، فرأى أن الموقف يحتاج إلى الحكمة ودرء المفسدة، ورفض الانجراف وراء العاطفة التي قد تؤدي إلى هلاك لا طائل من ورائه.
5- التأسّي برسول الله ﷺ هو المقياس: قوله "بعد رسول الله ﷺ" يدل على أن الصحابة كانوا يقيسون كل أمر على عهد النبي ﷺ، فما كان يفعله أو يأذن به فهو المشروع، وما لم يفعله أو لم يأذن به يتوقفون فيه، خاصة إذا كان من الأمور الجليلة كالبيعة على الموت.
خاتمة:
هذا الحديث ليس قصة تاريخية فحسب، بل هو موقف فقهي عظيم يعلمنا الحكمة والورع وعدم الانجراف وراء العواطف الهائجة، حتى لو كانت في سبيل غاية نبيلة. فهو درس في تقدير المصالح والمفاسد، والتمسك بالوسطية والاعتدال، والاقتداء بالهدي النبوي في كل صغيرة وكبيرة.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الجهاد والسير (٢٩٥٩)، ومسلم في الإمارة (١٨٦١: ٨١) كلاهما من طريق وُهيب، حدثنا عمرو بن يحيى، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد قال فذكره.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 117 من أصل 424 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: رفض البيعة على الموت بعد النبي

  • 📜 حديث: رفض البيعة على الموت بعد النبي

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: رفض البيعة على الموت بعد النبي

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: رفض البيعة على الموت بعد النبي

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: رفض البيعة على الموت بعد النبي

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب