حديث: يكفي أحدكم مثل زاد الراكب

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب قصة إسلام سلمان الفارسي

عن أنس بن مالك قال: اشتكى سلمان فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله ﷺ، أليس؟ أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي حبا للدنيا، ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله ﷺ عهد إلي عهدا، فما أراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي: «أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، ولا أُراني إلا قد تعديتُ، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حُكْمك إذا حكمت، وعند قَسْمك إذا قسمت، وعند هَمِّك إذا هممتَ» قال ثابت: «فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما، من نُفَيْقةٍ كانت عنده».

حسن: رواه ابن ماجه (٤١٠٤)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٧٩)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٩٧) كلهم من طريق الحسن بن أبي الربيع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس فذكره.

عن أنس بن مالك قال: اشتكى سلمان فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله ﷺ، أليس؟ أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي حبا للدنيا، ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله ﷺ عهد إلي عهدا، فما أراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي: «أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، ولا أُراني إلا قد تعديتُ، وأما أنت يا سعد فاتق الله عند حُكْمك إذا حكمت، وعند قَسْمك إذا قسمت، وعند هَمِّك إذا هممتَ» قال ثابت: «فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما، من نُفَيْقةٍ كانت عنده».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بما ندرس من سنة نبينا الكريم.
هذا حديث عظيم رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام ابن حبان في صحيحه، وغيرهما، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه موعظة بليغة وعبرة جليلة.

أولاً. شرح المفردات:


● اشتكى سلمان: أي مرض سلمان الفارسي رضي الله عنه، الصحابي الجليل.
● فعاده سعد: زاره سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في مرضه ليطمئن عليه ويواسيه.
● نفقة: ما يُنفق عليه من مال للعيش.
● بضعة وعشرين درهماً: ما يقارب الثلاثين درهماً، وهو مبلغ زهيد جداً.
● تعديت: تجاوزت الحد الذي وُضع لي.

ثانياً. شرح الحديث:


يحكي أنس بن مالك رضي الله عنه قصة مرض سلمان الفارسي رضي الله عنه، فزاره صاحبه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فوجده يبكي. فاستغرب سعد من بكاء رجل له هذه المكانة والصحبة، فسأله: ما الذي يبكيك؟ أليس قد صحبت رسول الله ﷺ؟ (مكرراً للسؤال للتأكيد على عظم مكانته).
فأجابه سلمان أن بكاءه ليس خوفاً من الموت أو حباً في البقاء في الدنيا، ولا كراهية للقاء الله والذهاب إلى الآخرة، ولكن لسبب آخر. وهو أن رسول الله ﷺ أوصاه بوصية عظيمة، وهو يخاف أن يكون قد تجاوزها وتقصّر فيها.
والوصية كانت: «أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب». أي أن يكفي المسلم من متاع الدنيا ما يكفي المسافر في سفره من الزاد القليل (من الطعام والشراب والمتاع البسيط)، فلا يتعلق قلبه بالدنيا ولا يجمع منها إلا قدر الحاجة.
وكان سلمان يرى أنه قد جمع من الدنيا أكثر من هذا القدر "الزاد" البسيط، فخاف أن يكون قد تعدى الحد الذي نهاه عنه النبي ﷺ. وهذا من ورعه وتقواه رضي الله عنه.
ثم انتقل سلمان إلى نصيحة أخيه سعد، لأنه كان قاضياً ووالياً، فقال له: «أما أنت يا سعد فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا قسمت، وعند همك إذا هممت». وهي وصية شاملة لكل تصرفاته:
● عند حكمك: أي في القضاء بين الناس، فيجب أن يتقي الله ويعدل.
● عند قسمك: أي عندما يقسم الأموال والغنائم بين الناس (كوالٍ)، فيجب أن يتقي الله ويقسط.
● عند همك: أي عند نيته وإرادته لفعل شيء، فيجب أن يستحضر تقوى الله فيها.
وفي نهاية الحديث، يذكر الراوي ثابت البناني (الذي روى عن أنس): أنه بلغه أن سلمان لما مات لم يترك إلا ما قيمته بضعة وعشرين درهماً من النفقة التي كانت عنده، مما يؤكد صدق مخافته وتورعه، وأن ما جمعه كان حقاً قليلاً جداً لا يتجاوز زاد المسافر.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- الزهد في الدنيا وعدم التكاثر فيها: الحديث أصل عظيم في الزهد، وأن المؤشر الحقيقي للإيمان هو قلة التعلق بالدنيا وعدم الاهتمام بجمعها، والاكتفاء بما يكفي للحاجة فقط كزاد المسافر.
2- ورع الصحابة وخوفهم من التقصير: يظهر من قصة سلمان خشيته العظيمة من الله وورعه الشديد، حتى إنه يبكي خوفاً من أنه قد جمع أكثر من "زاد الراكب"، مع أن ما جمله كان شيئاً يسيراً. وهذا درس في مراقبة النفس وخشية الله.
3- النصيحة والأمر بالمعروف: من أدب الصحابة أنهم كانوا ينصحون بعضهم بعضاً، كما نصح سلمان أخاه سعداً بتقوى الله في جميع أحواله.
4- مسؤولية الحكام والقادة: الوصية لسعد موجهة لكل من ولي أمراً من المسلمين، فيجب عليه تقوى الله في الحكم والقسم والنية، لأنها أمانة سيُسأل عنها.
5- الإعداد للآخرة وعدم الغرور بالصحبة: سلمان لم يغتر بصحبته للنبي ﷺ، بل كان خائفاً من التقصير، مما يدل على أن الأعمال بالخواتيم.

رابعاً. معلومات إضافية:


- هذا الحديث من الأحاديث التي تُظهر خلاصة منهج النبي ﷺ في تربية أصحابه على الزهد والورع.
- سلمان الفارسي رضي الله عنه كان من كبار الصحابة وعلمائهم، وكان فقيراً مع تواضعه وعلمه، وقد تولى إمارة المدائن.
- القصة توضح أن كثرة المال ليست مقياساً للتقوى، بل الزهد والقناعة هما الأساس.
نسأل الله أن يجعلنا من الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبيه ﷺ.
والله أعلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه ابن ماجه (٤١٠٤)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٧٩)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٩٧) كلهم من طريق الحسن بن أبي الربيع، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس فذكره.
وإسناده حسن من أجل الحسن بن أبي الربيع - وهو الحسن بن يحيى بن الجعد العبدي الجرجاني -، وجعفر بن سليمان الضبعي فإنهما حسنا الحديث.
وتوفي سلمان سنة خمس وثلاثين، وقيل: سنة ست وثلاثين.
وأما عمره فقيل: إنه تجاوز المئتين وخمسين، وقيل: ثلاثمائة وخمسين، وهذه الأقوال ذكرت بدون مستند معتمد، ولم يذكره ابن قانع ولا ابن عبد البر، وإنما ذكره ابن مندة في «معرفة الصحابة» وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» بدون مستند بل وقد قالا: إنه أدرك وصي عيسى عليه السلام، هذا كله بعيد، فإنه لو قُدِّر أنه عاش ثلاثمائة وخمسين فبينه وبين وصي عيسى عليه السلام ثلاثمائة. ولذا قال الذهبي: إنه ما زاد على الثمانين. ولو صح هذا القول لتواترت النقول من الصحابة والتابعين، وعد ذلك من خوارق العادات.
ولذا قال الذهبي بعد أن نقل عن البحراني أنه عاش ثلاثمائة وخمسين سنة: «وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني، وذلك منقطع لا إسناده له». ثم قال: «لعله عاش بضعا وسبعين سنة، وما أراه بلغ المائة». سير أعلام النبلاء (١/ ٥٥٥ - ٥٥٦).

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 417 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: يكفي أحدكم مثل زاد الراكب

  • 📜 حديث: يكفي أحدكم مثل زاد الراكب

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: يكفي أحدكم مثل زاد الراكب

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: يكفي أحدكم مثل زاد الراكب

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: يكفي أحدكم مثل زاد الراكب

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب