أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس ونفهم من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث عظيم، رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث التي تُظهر خلقاً عظيماً من أخلاق الإسلام، وهو الغيرة على المحارم.

---

أولاً. نص الحديث وروايته:

عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفَحٍ" فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي».

---

ثانياً. شرح المفردات:

● سعد بن عبادة: هو صحابي جليل، زعيم الخزرج في المدينة، وسيد الأنصار.
● غير مُصْفَحٍ: المصفح هو السيف الذي له حدان، أي أنه سيف قاطع من الجانبين. وقوله "غير مصفح" يعني أنه سيضربه بحد السيف، أي بأشد وجه ممكن ليقتله، وليس بجانبه العريض (الصفحة) الذي لا يقتل. فهو تعبير عن شدة غضبه وغَيْرته.
● الغيرة: هي الحمية والانفعال الشديد الذي ينتاب الإنسان دفاعاً عن عرضه أو حرمة لا يحتمل أن تنتهك.

---

ثالثاً. شرح الحديث:

1- موقف سعد بن عبادة: يخبر سعد رضي الله عنه، وهو معروف بشدة غيرته وشجاعته، عن ردة فعله الغريزية والشرعية لو رأى منكراً عظيماً، وهو رجل يخون أمانته ويقترف فاحشة الزنا مع زوجته. فبيّن أنه سيدافع عن عرضه وسيقتل المعتدي دون تردد. وهذا ليس تشريعاً للأفراد أن ينفذوا الحدود بأيديهم، بل هو تعبير عن شدة كراهيته للفاحشة وغضبه لها.
2- رد النبي صلى الله عليه وسلم: عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول سعد، لم ينكر عليه هذه الغيرة، بل أقرها وامتدحها، لكنه بيّن أن غيرته – صلى الله عليه وسلم – أعظم من غيرة سعد، وأن غيرة الله تعالى أعظم من غيرته. فجعلها سُلّماً للتعظيم:
● غيرة سعد → مقبولة وممدوحة.
● غيرة النبي صلى الله عليه وسلم → أعظم منها.
● غيرة الله تعالى → هي الغيرة المطلقة والعليا.
3- معنى غيرة النبي صلى الله عليه وسلم: غيرته صلى الله عليه وسلم هي غيرته على محارم الله أن تنتهك، وعلى حدود الله أن تُعتدى، وعلى دين الله أن يُنال منه. فهو يغار على الحرمات كلها، وليس على حرمة نفسه فقط. ومن أبرز مظاهر غيرته صلى الله عليه وسلم ما كان في حادثة الإفك، وغيرته عندما دخل الكعبة ورأى الصور فلم يدخل حتى أمِرت بإزالتها.
4- معنى غيرة الله تعالى: غيرة الله سبحانه هي غيرته على حرماته أن تنتهك، وعلى شرعه أن يُعصى. وهي غيرته على عباده أن يشركوا به أو يعبدوا غيره. ولهذا حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وشرع الحدود الرادعة لمن يعتدي على الأعراض والأخلاق. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]. وغيره الله تأتي بمعنى غضبه وحميته لحماه.

---

رابعاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- مدح خلق الغيرة على المحارم: الغيرة خلق فطري وإيماني محمود، خاصة غيرة الرجل على أهله وعرضه. وهي من صفات الكمال في الرجال، وذمّتها من صفات النقص والخور.
2- تحريم الزنا والتشديد فيه: الحديث يُظهر عظم جريمة الزنا وخطورتها على الفرد والمجتمع، حتى أن شرف الرجل يهتز لأجلها ويستعد لدفعها بأقصى ما يملك.
3- تفاضل درجات الغيرة: الغيرة ليست سواء، فأعلى الغيرة هي غيرتك على دين الله وحرماته، ثم غيرتك على عرضك وأهلك. وهذا يعلمنا أن نوسع دائرة غيرتنا لتشمل كل ما يغضب الله.
4- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: كان النبي أغير الناس على محارم الله، فعلينا أن نقتدي به في غيرتنا على ديننا، وأن نغضب لله، ونغار عندما تنتهك حرماته.
5- التأدب مع الله تعالى: الحديث يربط بين غيرة العبد وغيرة الرب، فيذكر أن الله أغير من عباده جميعاً، فيوجب ذلك في قلوبنا تعظيماً لله وخوفاً من غضبه وغَيرته.

---

خامساً:

تنبيه مهم:
قول سعد بن عبادة "لضربته بالسيف" هو تعبير عن شدة غيرته وغضبه للهوى الذي قد يعتري الإنسان، وليس تشريعاً لأحد أن يقتل بمجرد الشبهة دون بينة أو حكم شرعي. فالإسلام قد شرع الحدود وأمر بأن تُرفع الأمور إلى القضاء ليقيم الحدود بعد التحقق والثبوت، حفظاً للأعراض ودفعاً للظلم.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يغارون على محارمه، ويغضبون لغضبه، ويرضون لرضاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.