حديث: سلمان الفارسي يبحث عن الدين الحق

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب قصة إسلام سلمان الفارسي

عن عبد الله بن عباس قال: حدَّثني سلمان الفارسي حديثه من فيه، قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها: جَيُّ، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قَطَنَ النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشُغِلَ في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني! إني قد شغلت في بنيانٍ هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم انظر ما يصنعون. قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله! خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي، ولم آتها. فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بنيّ! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله! ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بنيّ! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلا والله! إنه خير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته.
قال: وبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من
النصارى فأخبِروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبَروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: مَنْ أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت ان أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك. قال: فادخل. فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا. قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه. قالوا: فَدُلَّنا عليه. قال: فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا. فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة.
ثم جاؤوا برجل آخر، فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس، أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال: فأحببته حبا لم أحبه من قبله، فأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما مات وغُيِّبَ لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي. فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانا أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه الا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به. قال: فلما مات وغُيبَ
لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي. قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت. فلما حُضِرَ قلت له: يا فلان، إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا.
قال: فلما مات وغُيِّبَ لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة. قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حُضِر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس امرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
قال: ثم مات وغُيِّبَ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مرَّ بي نفر من كلبٍ تجارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم. فأعطيتهموها وحملوني، حتى إذا قدموا بي وادي القرى، ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا، فكنت عنده، ورأيت النخل، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده، قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، فوالله، ما هو الا أن رأيتها، فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها وبعث الله رسوله، فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق. ثم هاجر إلى المدينة، فوالله، إني لفي رأس عَذْقٍ لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة، والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء، حتى ظننت سأسقط على سيدي، قال: ونزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه
ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة. ثم قال: ما لَك ولهذا! أقبل على عملك. قال: قلت: لا شيء، إنما أردت أن استثبته عما قال.
وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت به إلى رسول الله ﷺ وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقرَّبْته إليه. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «كلوا» وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا، وتحول رسول الله ﷺ إلى المدينة، ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله ﷺ منها، وأمر أصحابه، فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثم جئت رسول الله ﷺ، وهو ببقيع الغرقد. قال: وقد تبع جنازة من أصحابه، عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله ﷺ استدبرته عرف أني استثبت في شيء وُصِفَ لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبِّله وأبكي، فقال لي رسول الله ﷺ: «تحوَّل» فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، قال: فأعجب رسول الله ﷺ أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغَل سلمانَ الرِّقُّ حتى فاته مع رسول الله ﷺ بدر وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله ﷺ: «كاتِبْ يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفَقِير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين وَدِيَّةً، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر - يعني: الرجل بقدر ما عنده - حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله ﷺ: «اذهب يا سلمان، ففَقِّرْ لها، فإذا فرغت فائتني، أكون أنا أضعها بيدي» ففقَّرْتُ لها، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله ﷺ معي إليها، فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله ﷺ بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها ودية واحدة، فأدَّيتُ النخل، وبقي عليَّ المال، فأُتِيَ رسول الله ﷺ بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: «ما فعل الفارسي المكاتب؟»
قال: فدُعِيْتُ له، فقال: «خذ هذه فأدِّ بها ما عليك يا سلمان» فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما عليَّ؟ ! قال: «خذها، فإن الله سيؤدي بها عنك» قال: فأخذتها، فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم، وعتقت، فشهدت مع رسول الله ﷺ الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد.

حسن: رواه أحمد (٢٣٧٣٧)، والبزار في مسنده (٢٤٩٩، ٢٥٠٠)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٧٦ - ٢٧٢)، وابن سعد في الطبقات (٤/ ٧٥ - ٨٠) كلهم من طرق، عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس فذكره.

عن عبد الله بن عباس قال: حدَّثني سلمان الفارسي حديثه من فيه، قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها: جَيُّ، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قَطَنَ النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشُغِلَ في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني! إني قد شغلت في بنيانٍ هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم انظر ما يصنعون. قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله! خير من الدين الذي نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي، ولم آتها. فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي، وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بنيّ! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فوالله! ما زلت عندهم حتى غربت الشمس. قال: أي بنيّ! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه. قال: قلت: كلا والله! إنه خير من ديننا. قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني في بيته.
قال: وبعثت إلى النصارى، فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من
النصارى فأخبِروني بهم. قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبَروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فاذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: مَنْ أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت ان أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك. قال: فادخل. فدخلت معه، قال: فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة، ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء، يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه، ولم يعط المساكين منها شيئا. قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه. قالوا: فَدُلَّنا عليه. قال: فأريتهم موضعه. قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، قال: فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا. فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة.
ثم جاؤوا برجل آخر، فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس، أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال: فأحببته حبا لم أحبه من قبله، فأقمت معه زمانا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلا بالموصل، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به. قال: فلما مات وغُيِّبَ لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي. فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانا أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله ﷿ ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه الا رجلا بنصيبين، وهو فلان، فالحق به. قال: فلما مات وغُيبَ
لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته بخبري وما أمرني به صاحبي. قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبث أن نزل به الموت. فلما حُضِرَ قلت له: يا فلان، إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا.
قال: فلما مات وغُيِّبَ لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة. قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حُضِر قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بنيّ! والله، ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس امرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل، به علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
قال: ثم مات وغُيِّبَ، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مرَّ بي نفر من كلبٍ تجارا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم. فأعطيتهموها وحملوني، حتى إذا قدموا بي وادي القرى، ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدا، فكنت عنده، ورأيت النخل، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده، قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه، فاحتملني إلى المدينة، فوالله، ما هو الا أن رأيتها، فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها وبعث الله رسوله، فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق. ثم هاجر إلى المدينة، فوالله، إني لفي رأس عَذْقٍ لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة، والله، إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء، حتى ظننت سأسقط على سيدي، قال: ونزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه
ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة. ثم قال: ما لَك ولهذا! أقبل على عملك. قال: قلت: لا شيء، إنما أردت أن استثبته عما قال.
وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت به إلى رسول الله ﷺ وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم. قال: فقرَّبْته إليه. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «كلوا» وأمسك يده فلم يأكل. قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا، وتحول رسول الله ﷺ إلى المدينة، ثم جئته به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها. قال: فأكل رسول الله ﷺ منها، وأمر أصحابه، فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثم جئت رسول الله ﷺ، وهو ببقيع الغرقد. قال: وقد تبع جنازة من أصحابه، عليه شملتان له، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله ﷺ استدبرته عرف أني استثبت في شيء وُصِفَ لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبِّله وأبكي، فقال لي رسول الله ﷺ: «تحوَّل» فتحولت، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، قال: فأعجب رسول الله ﷺ أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغَل سلمانَ الرِّقُّ حتى فاته مع رسول الله ﷺ بدر وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله ﷺ: «كاتِبْ يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفَقِير وبأربعين أوقية. فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين وَدِيَّةً، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر - يعني: الرجل بقدر ما عنده - حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله ﷺ: «اذهب يا سلمان، ففَقِّرْ لها، فإذا فرغت فائتني، أكون أنا أضعها بيدي» ففقَّرْتُ لها، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله ﷺ معي إليها، فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله ﷺ بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها ودية واحدة، فأدَّيتُ النخل، وبقي عليَّ المال، فأُتِيَ رسول الله ﷺ بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: «ما فعل الفارسي المكاتب؟»
قال: فدُعِيْتُ له، فقال: «خذ هذه فأدِّ بها ما عليك يا سلمان» فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما عليَّ؟ ! قال: «خذها، فإن الله سيؤدي بها عنك» قال: فأخذتها، فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم، وعتقت، فشهدت مع رسول الله ﷺ الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا الحديث العظيم الذي رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه يُعدّ من أروع قصص الصحابة، وهو يحكي قصة إسلام سلمان رضي الله عنه، وهي قصة طويلة مليئة بالعبر والدروس. سأشرحها لكم جزءًا جزءًا مع بيان الدروس المستفادة.

شرح المفردات:


● دهقان: كبير القرية أو زعيمها.
● قطن النار: خادم النار الذي يوقدها ويحافظ عليها.
● ضيعة: أرض زراعية أو مزرعة.
● كنيسة: مكان عبادة النصارى.
● الأسقف: كبير القساوسة عند النصارى.
● اكتنز: جمع المال وادخاره.
● الودية: النخلة الصغيرة التي تُغرس.
● فَقِّر لها: احفر لها الأرض (أي اغرس النخل).
● المكاتب: العبد الذي كاتب سيده على مال يعطيه ليصبح حرًا.

شرح الحديث:


1- نشأة سلمان في مجوسية فارس:
كان سلمان رضي الله عنه من قرية "جيّ" في أصفهان (إيران اليوم)، وكان أبوه دهقان القرية يحبه حبًا شديدًا حتى حبسه في البيت خوفًا عليه، وكان سلمان مجوسيًا يخدم النار ويوقدها.
2- اللقاء الأول بالنصارى:
خرج سلمان يومًا لأرض أبيه، فمر بكنيسة النصارى فسمع أصواتهم في الصلاة، فأعجب بدينهم، وقرر أن يلتحق بهم، فذهب إلى الشام ليتعلم الدين النصراني.
3- رحلة البحث عن الحق:
- قابل أسقفًا فاسدًا كان يجمع الصدقات لنفسه، فكشف سلمان أمره بعد موته.
- ثم انتقل من شيخ إلى آخر (في الموصل ثم نصيبين ثم عمورية) كلما مات الشيخ أوصاه بالالتحاق بآخر، حتى وصل إلى شيخ في عمورية أخبره عن نبي سيخرج في العرب بصفات محددة.
4- الانتقال إلى المدينة والرق:
حاول سلمان الوصول إلى أرض العرب، لكنه بيع عبدًا ليهودي في المدينة، وعمل عنده، وفي يوم سمع بخبر قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ففرح وشعر أن المواصفات تنطبق عليه.
5- لقاء النبي صلى الله عليه وسلم والتأكد من نبوته:
- قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة فلم يأكل منها، ثم قدم هدية فأكل منها، فعرف أن الصفة الأولى (لا يأكل الصدقة) تحققت.
- ثم نظر إلى ظهره صلى الله عليه وسلم ورأى خاتم النبوة بين كتفيه، فقبله وبكى، وقص عليه قصته.
6- تحرره من الرق:
كاتب سيده اليهودي على أن يعطيه ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبًا، فساعده النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في جمع النخل والمال، وأدى الحق وعتق.
7- مشاركته في الغزوات:
بعد تحرره، شهد سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق وغيرها.

الدروس المستفادة:


1- السعي في البحث عن الحق:
لم ييأس سلمان رضي الله عنه في رحلته الطويلة من بلاد فارس إلى الشام ثم المدينة، وهذا يدل على أهمية الصبر والجد في طلب الحق.
2- علامات النبوة:
في القصة إثبات لعلامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مثل: لا يأكل الصدقة، ويأكل الهدية، وخاتم النبوة بين كتفيه.
3- مساعدة المسلمين لإخوانهم:
النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يعينوا سلمان في جمع النخل والمال، مما يدل على تعاون المسلمين وتآزرهم.
4- صدق الوعد الإلهي:
عندما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم سلمان ذهبًا قليلًا وقال: "خذها فإن الله سيؤدي بها عنك"، وفعلًا أوفت بالمال المطلوب، وهذا من بركة طاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
5- الرق والعتق:
القصة تظهر كيف كان الإسلام يحث على تحرير الرقاب، وسلمان هو مثال للعبد الذي سعى لتحرير نفسه بطريقة شرعية.

معلومات إضافية:


- سلمان الفارسي رضي الله عنه من الصحابة العظماء، وكان من أهل العلم والفتوى، وقد استشهد به في العديد من الأحاديث.
- قصة سلمان تظهر أن الإسلام دين عالمي، ليس مقصورًا على العرب، بل يهدي الله به من يشاء من خلقه.
- في القصة إشارة إلى بشارات الأنبياء السابقين ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله أن ينفعنا بهذه القصة العظيمة، وأن يجعلنا من المتبعين للحق، والصابرين في طلبه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (٢٣٧٣٧)، والبزار في مسنده (٢٤٩٩، ٢٥٠٠)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٧٦ - ٢٧٢)، وابن سعد في الطبقات (٤/ ٧٥ - ٨٠) كلهم من طرق، عن محمد بن إسحاق، حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس فذكره.
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق.
ومن أخباره:

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 416 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: سلمان الفارسي يبحث عن الدين الحق

  • 📜 حديث: سلمان الفارسي يبحث عن الدين الحق

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: سلمان الفارسي يبحث عن الدين الحق

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: سلمان الفارسي يبحث عن الدين الحق

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: سلمان الفارسي يبحث عن الدين الحق

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب