من أغير مني الله

حديث: من أغير مني الله

عن أبي هريرة قال: قال سعد بن عبادة: يا رسول الله، لو وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة لثمهداء؟ قال رسول الله ﷺ: «نعم». قال: كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك، قال رسول الله ﷺ: «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، إنه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير مني».

صحيح: رواه مسلم في اللعان (١٤٩٨: ١٦) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، حدثني سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث التي تُظهر خلق الغيرة المحمودة التي فطر الله عليها عباده، وبيان تفاضل هذه الغيرة بين الخلق حتى تصل إلى الخالق سبحانه.

أولاً. شرح المفردات:

● سعد بن عبادة: هو سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الأنصاري، زعيم الخزرج وسيدهم، صحابي جليل.
● لم أمسه: أي لم أتعرض له بأذى أو أقتله.
● حتى آتي بأربعة شهداء: أي حتى أحضر أربعة شهود يشهدون بأنهم رأوا الزنا بعينه، كما هو شرط إثبات حد الزنا في الإسلام.
● أعاجله بالسيف: أي أقتله فوراً بالسيف دون انتظار.
● غيور: صفة تعني شدة الغيرة على المحارم والحقوق، والحمية للعرض والدين.

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن سعد بن عبادة - وهو سيد قومه من الخزرج - قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستفسراً عن موقف افتراضي: يا رسول الله، لو وجدت مع أهلي (زوجتي) رجلاً (أي في حالة زنا)، أفلا أمسه (أي أتعرض له) حتى آتي بأربعة شهداء؟ يشير إلى شرط الإثبات الصارم في الإسلام لحد الزنا.
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم «نعم»، أي نعم، يجب عليك أن تتحلى بالصبر وتحضر البينة التي أمر الله بها، ولا تتخذ أمراً بيدك.
فقال سعد مغتاظاً غيرة على عرضه: «كلا، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك»، أي لا والله، بل سأقتله فوراً بالسيف دون انتظار لإحضار الشهود.
عند هذه النقطة، لم يوبخ النبي صلى الله عليه وسلم سعداً على غَيرته الفطرية، بل أقرها ووجهها توجيهاً تربوياً رفيعاً- فقال صلى الله عليه وسلم للحاضرين: «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، إنه لغيور»، أي اعترف له بقوة غيرته وحميته لعرضه، وهي غيرة محمودة.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وأنا أغير منه»، فبيّن أن غيرته كرسول أعظم، غيرته على محارم الله أن تنتهك، وعلى دينه أن يُعصى، وعلى أمته أن تضل.
ثم ختم بأعلى مراتب الغيرة وأعظمها فقال: «والله أغير مني»، فالله سبحانه وتعالى هو الغيور حقاً، الذي لا يُحب أن يُشرك به، ولا أن تُنتهك محارمه، ولا أن يُعصى.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- إثبات صفة الغيرة لله تعالى: على الوجه اللائق بجلاله وكماله، فهي غيرته سبحانه على حماه أن يُعصى، وعلى توحيده أن يُشرك به. وهي من صفاته الفعلية التي تتعلق بمشيئته.
2- الغيرة المحمودة: الغيرة على العرض والدين والمقدسات خلق فطري محمود، وهو من كمال الإيمان، وذمّة من لا غيرة له. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله» (متفق عليه).
3- ضبط الانفعال بالشرع: الغيرة محمودة، ولكن يجب أن تُضبط بأحكام الشرع ولا تتحول إلى ظلم أو اعتداء. رد النبي صلى الله عليه وسلم على سعد بتأكيد ضرورة إقامة البينة (الأربعة شهداء) لإنفاذ الحد، وعدم الأخذ بالشك أو الظن.
4- التربية بالنموذج الأعلى (القدوة): لم ينه النبي صلى الله عليه وسلم سعداً عن غيرته، بل أقره عليها ثم رفع نظره إلى من هو أغير منه (النبي نفسه)، ثم إلى من هو أغير على الإطلاق (الله تعالى)، ليربط порыف القلب الفطري بالتعبد لله والاستجابة لأمره.
5- حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم: استخدم النبي أسلوب الإقرار ثم التوجيه، فلم يحطم شعور سعد، بل أقره ثم علمه ووجهه، مما يجعل التعليم أكثر قبولاً وتأثيراً.
6- عظم جرم الزنا: الحديث يشير إلى عظم جريمة الزنا وخطورتها على الأعراض والأنساب والمجتمع، مما يبيّن حكمة تشريع العقوبة الصارمة لها.

رابعاً. معلومات إضافية:

- الحديث دليل على شجاعة الصحابة وصراحتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على فهم دينهم.
- الغيرة المذمومة هي التي تخرج عن حدود الشرع، كالغيرة من تقدم الآخرين في الخير والفضيلة، أو الغيرة المصحوبة بالظن السيء والتجسس بغير حق.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في اللعان (١٤٩٨: ١٦) عن أبي بكر بن أبي شيبة، حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، حدثني سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 403 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من أغير مني الله

📜 حديث: من أغير مني الله

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من أغير مني الله

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من أغير مني الله

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من أغير مني الله

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية