من رأى أنه دخل الجنة فسمع وجبة ارتجت لها الجنة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، معتمدًا على كلام أهل العلم من أهل السنة والجماعة:

---

الحديث:

عن أنس قال: كان رسول اللَّه ﷺ تعجبه الرؤيا الحسنة، فربما قال: «هل رأى أحد منكم رؤيا؟» قال: فإذا رأى الرجل رؤيا سأل عنه، فإن كان ليس به بأس، كان أعجب لرؤياه إليه. قال: فجاءت امرأة فقالت: يا رسول اللَّه، رأيت كأني دخلت الجنة، فسمعت وجبة، ارتجت لها الجنة، فنظرت فإذا قد جيء بفلان ابن فلان وفلان ابن فلان. حتى عدت اثني عشر رجلا -وقد بعث رسول اللَّه ﷺ سرية قبل ذلك- قالت: فجيء بهم عليهم ثياب طلس تشخب أوداجهم. قالت: فقيل: اذهبوا بهم إلى نهر البيذخ -أو قال: إلى نهر البيدح- قال: فغمسوا فيه، فخرجوا منه وجوههم كالقمر ليلة البدر. قالت: ثم أتوا بكراسي من ذهب، فقعدوا عليها، وأتي بصحفة -أو كلمة نحوها- فيها بسر، فأكلوا منها، فما يقلبونها لشق إلا أكلوا من فاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم. قال: فجاء البشير من تلك السرية، فقال: يا رسول اللَّه، كان من أمرنا كذا وكذا، وأصيب فلان وفلان. حتى عد الاثني عشر الذين عدتهم المرأه فقال رسول اللَّه ﷺ: «علي بالمرأة». فجاءت، فقال: «قصي على هذا رؤياك». فقصت، قال: هو كما قالت يا رسول اللَّه.

---

1. شرح المفردات:

● تعجبه الرؤيا الحسنة: أي يحبها ويسر بها، لأنها جزء من النبوة أو بشرى من الله.
● وجبة: صوتًا عظيمًا واهتزازًا.
● ارتجت لها الجنة: اضطربت واهتزت.
● ثياب طلس: ثياب بيض لامعة، أو ثياب من خزّ أو حرير.
● تشخب أوداجهم: تسيل دماء أعناقهم (الأوداج: عروق في العنق).
● نهر البيذخ أو البيدح: نهر في الجنة، ورد ذكره في بعض الأحاديث.
● بسر: نوع من التمر قبل أن ينضج ويصير رطبًا.
● صحفة: إناء كبير يشبه الطبق.

---

2. شرح الحديث:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الرؤيا الصالحة ويشجع الصحابة على قصها، لأن الرؤيا الصالحة بشرى من الله، وهي جزء من أجزاء النبوة. وفي هذا الحديث، جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته برؤيا عجيبة، رأت فيها أنها دخلت الجنة، وسمعت صوتًا عظيمًا، فإذا باثني عشر رجلاً يُجاء بهم وهم شهداء، وقد أُصيبوا في سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الرؤيا، رأت أن هؤلاء الشهداء غُمسوا في نهر في الجنة (نهر البيذخ أو البيدح)، فخرجت وجوههم مشرقة كالقمر ليلة البدر، ثم جلسوا على كراسي من ذهب، وأُتي لهم بطعام من الجنة (بسر في صحفة)، وكانت هذه الصحفة معجزة، إذ كلما قلبوها إلى جانب ظهرت فاكهة أخرى يأكلون منها ما يشاءون، وأكلت المرأة معهم.
ولما جاء البشير من السرية وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم باستشهاد الاثني عشر رجلاً، طلب النبي صلى الله عليه وسلم إحضار المرأة، وقصت رؤياها على البشير، فصدقها البشير بأن ما رأته موافق للواقع.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● فضل الشهادة في سبيل الله: فإن الشهداء يُكرمون في الجنة، وتغسل جراحهم في أنهارها، وتشرق وجوههم، ويجلسون على كراسي من ذهب، ويأكلون من طعام الجنة.
● صدق الرؤيا الصالحة: فقد كانت رؤيا هذه المرأة صادقة، ووافقت الواقع، وهذا من بشارات الله للمؤمنين.
● اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤيا: لأنه يعلم أنها من الله، وقد تكون فيها بشارة أو تحذير.
● عظمة نعيم الجنة: وما فيها من طعام وشراب وكراسي وغير ذلك، مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
● إكرام الله للشهداء: حيث يغسلون في نهر الجنة، وتُبدل ثياب الدماء بثياب الجنة، وتشرق وجوههم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح.
- الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، كما قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].
- الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، كما في الحديث الصحيح.
- قصة هذه المرأة تدل على فضل النساء وكرمهن، وأنهن قد يرين رؤى صادقة كما الرجال.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشهداء في سبيله، وأن ينعم علينا برؤى صالحة تشرح صدورنا، وتزيدنا إيمانًا ويقينًا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصح