يأجوج ومأجوج: يمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فسأقوم بشرح هذا الحديث الشريف شرحاً وافياً مستنداً إلى كلام أهل العلم المعتمدين لدى أهل السنة والجماعة، مع التركيز على بيان مفرداته ومعانيه والدروس المستفادة منه.
### أولاً. تخريج الحديث
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة، وهو حديث صحيح متفق على صحته.
### ثانياً. شرح المفردات
● لا يدان لأحد بقتالهم: أي لا طاقة ولا قدرة لأحد على قتالهم.
● حرز عبادي: أي احفظهم واجعلهم في معقل وحصن.
● الطور: جبل معروف، وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام.
● يأجوج ومأجوج: أمتان من بني آدم، من ذرية يافث بن نوح، وهم من علامات الساعة الكبرى.
● من كل حدب ينسلون: أي من كل مكان مرتفع يسرعون وينحدرون.
● بحيرة طبرية: بحيرة في بلاد الشام.
● النغف: دود يكون في أنوف الإبل والغنم، وهنا هو دود صغير يسلطه الله على أقوام يأجوج ومأجوج.
● فرسى: أي قتلى.
● كموت نفس واحدة: أي يموتون جميعاً في وقت واحد.
● زهمهم ونتنهم: الزهم هو الدسم والوسخ، والنتن هو الرائحة الكريهة.
● كأعناق البخت: البخت هي الإبل، أي طيور كبيرة قوية كأعناق الجمال.
● بيت مدر: البيت المبنى بالطين.
● بيت وبر: البيت المصنوع من الشعر أو الصوف.
● كالزلفة: الزلفة هي الصفقة من الجلد، أي تصبح الأرض ناعمة وملساء.
● العصابة: الجماعة من الناس.
● الرمانة: ثمرة الرمان الواحدة.
### ثالثاً. شرح الحديث
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن أحداث عظيمة تقع في آخر الزمان، وذلك عندما ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام ويقتل المسيح الدجال. بعد ذلك يخرج قوم لا طاقة لأحد بقتالهم، فيأمر الله تعالى عيسى عليه السلام أن يحصن المؤمنين في جبل الطور. ثم يخرج يأجوج ومأجوج، وهم قوم شداد في عددهم وشرهم، فينتشرون في الأرض فساداً، ويمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ماءها حتى ينضب، ويقول آخرهم: "لقد كان هنا ماء". ثم يحاصرون نبي الله عيسى والمؤمنين معه، حتى يصبح الطعام نادراً جداً، ويكون رأس الثور (أي قطعة صغيرة منه) خيراً من مائة دينار في زماننا هذا. عندها يدعو نبي الله عيسى وأصحابه الله تعالى، فيسلط الله على يأجوج ومأجوج دوداً صغيراً يسمى "النغف" يدخل في رقابهم فيقتلهم جميعاً كموت نفس واحدة. ثم ينزل عيسى والمؤمنون من الجبل، فلا يجدون مكاناً إلا وقد امتلأ بجثث يأجوج ومأجوج وروائحهم الكريهة. فيدعون الله again، فيرسل الله طيوراً كبيرة كأعناق الإبل تحمل الجثث وتتخلص منها حيث يشاء الله. ثم يرسل الله مطراً غزيراً يغسل الأرض ويطهرها، حتى تصبح ناعمة ونظيفة. ثم يؤمر الأرض أن تنبت ثمارها وتعود بركتها، حتى تكون الثمرة الواحدة كافية لجماعة من الناس.
### رابعاً. الدروس المستفادة
1- الإيمان بالغيب: الحديث يؤكد على أهمية الإيمان بالغيب وأحداث آخر الزمان التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
2- عظمة قدرة الله: في الحديث بيان لعظمة قدرة الله تعالى في إهلاك الأمم الظالمة بأدنى الأسباب.
3- التوكل على الله واللجوء إليه: في الملمات والشدائد، يكون اللجوء إلى الله والدعاء هو الملاذ.
4- التمسك بالإيمان والعقيدة: حتى في أصعب الظروف، يبقى المؤمنون صامدين محافظين على إيمانهم.
5- الاعتبار بمصير الأمم الظالمة: مصير يأجوج ومأجوج هو عبرة لكل ظالم ومفسد في الأرض.
6- بركة الأرض بعد الطهارة: تطهير الأرض من الشرور والفساد يعيد البركة والخير إليها.

---

خامساً:

معلومات إضافية
- يأجوج ومأجوج من الأعلام الكبرى ليوم القيامة، وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن في سورة الأنبياء وسورة الكهف.
- خروجهم يكون بعد نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال.
- هلاكهم يكون على يد الله مباشرة، بدعاء عيسى عليه السلام.
- هذه الأحداث تكون قبل قيام الساعة، وهي من علاماتها العظام.
أسأل الله تعالى أن يحفظنا من الفتن، وأن يثبتنا على الإيمان، وأن يجعلنا من عباده الصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.