أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يذكر فيه أصلاً من أصول الدين، وفطرة الإنسان التي فطره الله عليها.
### أولاً. تخريج الحديث
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (الجنة وصفة نعيمها وأهلها)، برقم (2865)، عن الصحابي الجليل عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه.
### ثانياً. شرح المفردات
● نحلته: أعطيته وأوهبته. والنحلة هي العطية والهبة.
● حنفاء: جمع حنيف، وهو المائل عن الشرك إلى التوحيد، المقبل على الله المعرض عن كل دين سوى دينه.
● اجتالتهم: استزلتهم وأضلتهم وصدتهم عن الحق. من الجولان وهو الذهاب والميل.
● سلطانا: حجةً واضحةً، برهاناً قوياً، وسلطاناً مبيناً.
### ثالثاً. شرح الحديث
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخطاب الجامع: إن ربه عز وجل أمره أن يعلم الناس ما جهلوه من أمر دينهم، مما علمه الله إياه في ذلك اليوم.
ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم حقائق عظيمة:
1- "كُلُّ مَا نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ": أي أن كل ما أعطاه الله تعالى لعبد من عباده من مال أو رزق أو نعمة، فهو حلال طيب، ليس فيه شبهة ولا إثم. وهذا أصل عظيم يطمئن به قلب المؤمن، فالله تعالى لا يحل لعبده إلا الطيب الحلال، وهو سبحانه الحكيم العليم فيما يقسمه لعباده.
2- "وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ": هذه هي القاعدة الكبرى التي يبنى عليها. فالفطرة التي خلق الله الناس عليها هي فطرة التوحيد والإسلام والاستقامة. كل مولود يولد على هذه الفطرة السليمة، التي تهتدي إلى الله وتوحده. وهذا من عدل الله ورحمته بعباده.
3- "وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ": هنا يبين النبي صلى الله عليه وسلم سبب الانحراف عن هذه الفطرة السليمة. فالشياطين من الإنس والجن تأتي إلى الناس، فتزين لهم الباطل، وتصدهم عن الحق، وتجعلهم يميلون عن طريق الفطرة المستقيم.
4- "وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا": وهذا هو مكمن الضلال ومظهره:
● التحريم الباطل: أن تحرم الشياطين على الناس أشياء طيبة أحلها الله، كالتحريمات الباطلة التي كانت في الجاهلية، أو البدع التي يحدثها الناس في دينهم فيحرمون ما لم يحرمه الله.
● الشرك بالله: أن تأمرهم الشياطين بعبادة غير الله، من أصنام أو أوثان أو طاغوت أو هوى، دون أن يكون لهذا الشرك أي دليل أو حجة من الله تعالى.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- أصل الفطرة: التأكيد على أن الدين الإسلامي هو دين الفطرة، الذي يوافق ما جبل الله عليه الإنسان من التوحيد والاستقامة.
2- عدل الله ورحمته: بيان أن الله تعالى لم يحرم على عباده إلا الخبائث، ولم يحل لهم إلا الطيبات، فهو الحكيم العليم.
3- بيان سبب الضلال: أن الانحراف عن الفطرة ليس أصلاً في الإنسان، بل هو عارض بسبب إغواء الشياطين وتزيينهم للباطل.
4- تحذير من اتباع الهوى والبدع: الحديث تحذير من اتباع ما يحرّم الناس من تلقاء أنفسهم بدون دليل من الله، أو اتباع الشركيات والبدع التي لم يأذن بها الله.
5- الحث على التمسك بالدليل: قوله: "مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا" يؤكد وجوب التمسك بالدليل الشرعي من الكتاب والسنة، ورفض أي قول أو فعل في الدين لا يستند إلى دليل صحيح.

---

خامساً:

معلومات إضافية
- هذا الحديث أصل في رد جميع أنواع الشرك والبدع والتحريمات الباطلة، لأنه يبين أنها من تزيين الشياطين وليست من دين الله.
- فيه توجيه إلى ضرورة تربية الأبناء على الفطرة السليمة، وحمايتها من انحرافات الشياطين وشبهاتهم.
- يستدل به العلماء على أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن التح يحتاج إلى دليل شرعي.
نسأل الله أن يثبتنا على الفطرة السليمة، ويجنبنا مضلات الفتن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.