معنى الحياء لا يأتي إلا بخير

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث بلفظه:
عن أبي السوار العدوي قال: سمعت عمران بن حصين قال: قال النبي ﷺ: «الحياء لا يأتي إلا بخير». فقال بشير بن كعب: مكتوب في الحكمة: إن من الحياء وقارا، وإن من الحياء سكينة، فقال له عمران: أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن صحيفتك.

---

1. شرح المفردات:

● الحياء: خُلُقٌ يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق.
● لا يأتي إلا بخير: أي أن نتائجه وآثاره كلها محمودة ومفيدة.
● بشير بن كعب: هو بشير بن كعب العدوي، تابعي جليل، من أهل البصرة.
● مكتوب في الحكمة: المقصود بالحكمة هنا الكتب السماوية السابقة أو كتب الحكماء.
● وقارًا: الهيبة والثبات وعدم الاستخفاف.
● سكينة: الطمأنينة والرزانة وهدوء النفس.
● صحيفتك: كتابك الذي تقرأ منه (أي الكتب السابقة أو كتب الحكماء).

---

2. شرح الحديث:

المعنى الإجمالي:
يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على الفضيلة العظيمة للحياء، ويبين أن هذا الخلق الكريم لا ينتج عنه للإنسان إلا كل ما هو خير ونفع في دينه ودنياه. فالحياء يصرف صاحبه عن كل قبيح، ويحمله على فعل كل جميل، وهو من الإيمان.
السياق والمناسبة:
يحكي الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه هذا القول النبوي، فلما سمع منه التابعي بشير بن كعب زاد عليه بقول مأثور عن الحكمة يؤكد نفس المعنى ويذكر بعض ثمار الحياء (الوقار والسكينة). فانتهره عمران بن حصين مؤكدًا على وجوب تقديم كلام النبي صلى الله عليه وسلم المباشر والاكتفاء به، لأنه الوحي المعصوم، على أي قول آخر حتى لو كان صحيحًا.
شرح العبارات:
- قوله ﷺ: «الحياء لا يأتي إلا بخير»:
هذا حكم عام من النبي صلى الله عليه وسلم، فكل أمر يبعثك عليه الحياء فهو خير، وكل أمر يزجرك عنه الحياء فهو شر تتجنبه. والحياء الممدوح هو الذي يكون عن علم وإيمان، لا الحياء الذي يمنع من طلب العلم أو السؤال عن الدين أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- قول بشير بن كعب: "مكتوب في الحكمة...":
هذا القول صحيح في معناه ومتوافق مع حديث النبي ﷺ، فهو يذكر بعض مظاهر الخير التي يأتي بها الحياء، وهي الوقار والسكينة في demeanor الإنسان.
- رد عمران بن حصين: "أحدثك عن رسول الله ﷺ وتحدثني عن صحيفتك":
هذا الرد ليس إنكارًا لصحة ما قاله بشير، بل هو تأديب له وتعليم لأهمية آداب طالب العلم. فهو يوجهه إلى تقدير كلام النبي صلى الله عليه وسلم والاكتفاء به، وعدم مقاطعته أو إضافة كلام آخر عليه وكأنه مثله، فكلام النبي ﷺ هو الأصل وهو الأعلى قدرًا. وهو درس في تقديم النقل الصحيح عن الرسول على أي نقول أخرى.

---

3. الدروس المستفادة والفَوائد:

1- فضيلة خلق الحياء: الحديث أصل عظيم في الحث على التخلق بالحياء، وهو من شعب الإيمان.
2- الحياء كله خير: لا يتناقض الحياء الحقيقي مع مواقف الجرأة في الحق، بل هو الذي ينظمها. فليس من الحياء أن يسكت الإنسان عن المنكر أو أن يترك التعلم.
3- تقديم كلام النبي ﷺ على غيره: يجب على المسلم أن يعطي كلام النبي صلى الله عليه وسلم المكانة التي تليق به، وهي المكانة الأولى والأعلى، وأن لا يضعه في مستوى كلام الحكماء أو غيرهم، حتى لو كان صحيحًا.
4- أدب العالم والمتعلم: يفهم من رد عمران بن حصين أدبًا مهمًا في مجالس العلم، وهو عدم مقاطعة الحديث النبوي بإضافة أخرى حتى لو كانت صحيحة، احترامًا لكلام النبي ﷺ وتقديرًا له.
5- الحياء مصدر للوقار والسكينة: كما أشار بشير بن كعب، فإن الحياء يمنح صاحبه هيبة ووقارًا ويجنبه الاستخفاف والسفه، كما يملأ قلبه سكينة وطمأنينة.
6- الحياء من الله: أعلى درجات الحياء أن يستحي العبد من الله تعالى، فيحمله ذلك على طاعته واجتناب معصيته.

---

4. معلومات إضافية:

● الحياء في السنة: وردت أحاديث كثيرة تبين فضل الحياء، منها قوله ﷺ: «الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» (متفق عليه).
● الفرق بين الحياء والخجل: الحياء خلق إيجابي يمنع من القبيح، أما الخجل السلبي فهو الذي يعيق الإنسان عن فعل الحق أو قوله.
● الاستدلال بالكتب السابقة: ما ذكره بشير بن كعب يدل على جواز الاستشهاد بما في الكتب السابقة إذا كان موافقًا للشرع، ولكن مع عدم الاعتماد عليها كمصدر تشريعي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.