إني رجل حبب إلي الجمال، وأعطيت منه ما ترى

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النفعي، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث:
عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي ﷺ وكان رجلاً جميلاً، فقال: يا رسول اللَّه! إني رجل حبب إلي الجمال، وأعطيت منه ما ترى، حتى ما أحب أن يفوقني أحد، إما قال: بشراك نعلي، وإما قال: بشسع نعلي، أفمن الكبر ذلك؟ قال: «لا، ولكن الكبر من بطر الحق، وغمط الناس».
رواه الإمام مسلم في صحيحه.

---

1. شرح المفردات:

* جميلاً: حسن الهيئة والمنظر.
* حبب إلي الجمال: أحببت أن أكون جميلاً، وأحببت الأشياء الجميلة.
* يفوقني أحد: يزيد عليّ أحد في الجمال أو في مظهره.
* بشراك نعلي، بشسع نعلي: الشراك والشسع هما سير النعل الذي يُربط به القدم. والمقصود هنا المبالغة في بيان مدى غيرته على تفوقه في الجمال، حتى أنه لا يحب أن يزيد عليه أحد حتى في أقل الأشياء وأبسطها كسير نعله.
* بطر الحق: رده ودفعه تكبرًا وعنادًا، وعدم قبول الحق من الآخرين.
* غمط الناس: احتقارهم وازدراؤهم والنظر إليهم بعين الاستصغار والازدراء.

---

2. شرح الحديث:

جاء رجل إلى النبي ﷺ وهو مشغول البال ووَجِل القلب، فقد كان الله قد أنعم عليه بنعمة الجمال، وكان يحب أن يكون متميزًا في مظهره، حتى إنه كان يكره أن يسبقه أحد في أي شيء من أمور الزينة، ولو كان شيئًا تافهًا كجودة سير نعله.
خشي هذا الرجل أن يكون هذا الشعور داخله من الكبر الذي حذر منه الإسلام، فسأل النبي ﷺ ليطمئن قلبه ويستشيره: أهذا الذي في نفسي من كراهية تفوق الآخرين عليّ هو من الكبر المحرم؟
فأجابه النبي ﷺ جوابًا حكيمًا يزيل وساوسه، ويبين حقيقة الكبر المذموم، فقال: «لا»، أي أن هذا الشعور وحده ليس هو الكبر المحرم، لأنه مجرد شعور داخلي بالفرح بالنعمة والرغبة في التميز، ما دام لم يقترن باحتقار للخلق أو رد للحق.
ثم بين النبي ﷺ حقيقة الكبر الحقيقية فقال: «ولكن الكبر من بطر الحق، وغمط الناس».
* بطر الحق: هو التكبر عن قبول الحق واتباعه، سواء جاء من كبير أو صغير، غني أو فقير، كأن يرد الإنسان نصيحة أو حقيقة علمية لمجرد كبر نفسه واعتقاده أنه أعلم من غيره.
* غمط الناس: هو احتقارهم وازدراؤهم والنظر إليهم نظرة دونية، وعدم recognizing their rights and merits. وهذا أصل الكبر العملي.
فالكبر إذن ليس مجرد شعور بالفرح بالنعمة، بل هو سلوك متعالٍ تجاه الحق وتجاه الخلق.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الفرق بين الفرح بالنعمة والكبر: الإسلام لا يعيب على الإنسان أن يفرح بنعم الله عليه، كالجمال أو المال أو العلم، ما دام شاكرًا لله غير متعالٍ على الخلق. الفرح بالنعمة من شكرها، أما الكبر فهو جحود للنعمة واستخدامها في معصية المنعم.
2- حرص الصحابة على تطهير قلوبهم: هذا الموقف يدل على حرص الصحابة رضي الله عنهم على سلامة قلوبهم من أدنى أمراضها، واستفتاؤهم النبي ﷺ في أمور دقيقها وجليلها.
3- التواضع خلق أساسي: الحديث يرسخ قيمة التواضع، ويبين أن أساسه هو قبول الحق واحترام الناس.
4- حقيقة الكبر: الكبر الحقيقي ليس في المظهر أو الثياب، بل هو موقف سلبي من الحق والناس. فقد يكون الإنسان بسيط المظهر لكنه متكبر بقلبه، وقد يكون أنيقًا جميلًا متواضعًا.
5- الحكم على النيات والأعمال الباطنة: النبي ﷺ لم يحكم على ظاهر قول الرجل، بل نظر إلى نيته وباطن أمره، فطمأنه. وهذا من فقهه ﷺ.
6- جواز السؤال عن أمور الدين والاستفتاء: الحديث يحث على سؤال العلماء فيما يشكل على المرء من أمور دينه.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث أصل في تعريف الكبر، وقد اعتمد عليه العلماء في كتب العقائد والأخلاق.
* بعض العلماء يرى أن قول الرجل "حتى ما أحب أن يفوقني أحد" قد يكون نوعًا من الدناءة أو الحسد إذا تجاوز حد الفرح بالنعمة، لكن النبي ﷺ absolved him لأنه كان خائفًا من أن يكون ذلك كبرًا، فدل على أن نيته الطيبة خففت من حدة هذا الشعور.
* التواضع لا يعني ذلة النفس أو المهانة، بل هو خلق بين الكبر والذلة، فهو إعطاء كل ذي حق حقه مع الاعتزاز بالإيمان والكرامة التي أعز الله بها المؤمن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.