من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، جمع فيه بين تحذيرات شديدة من أفعال عظيمة الجرم، وخطيرة العاقبة. وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بإذن الله.
الراوي: الحديث يرويه الصحابي الجليل ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه، وقد وُصف بأنه (من أصحاب الشجرة) أي أنه من الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة في بيعة الرضوان، وهي بيعة عظيمة شهدها الله تعالى بالرضا في قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]. وهذا الوصف يزيده ثقة ورفعة.

---

شرح الحديث جزءاً جزءاً:

---

# 1- «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ فَهُوَ كَمَا قَالَ»
* شرح المفردات:
* حلف: أي أقسم.
* على ملة: الملة هي الدين، أي حلف بدين غير الإسلام.
* فهو كما قال: أي حكمه حكم من انتقل إلى ذلك الدين، وهو كافر.
* شرح المعنى:
هذا تحذير شديد من أشد أنواع الحلف، وهو أن يحلف الإنسان بغير دين الإسلام تعظيماً لذلك الدين، مثل أن يقول: "وحق المسيحية" أو "وحق اليهودية" أو "وأنا على دين كذا". هذا اللفظ فيه تعظيم لذلك الدين الباطل، وهو كفر لأنه يقتضي الرضا بذلك الكفر واستحسانه. فمن قال ذلك مختاراً غير مكره، فهو كافر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه استهان بعظمة الإسلام وفضل ديناً باطلاً.
* الدروس المستفادة:
* وجوب تعظيم دين الإسلام والتشرف بالانتساب إليه.
* تحريم الحلف بغير الله تعالى وبغير دينه.
* التحذير من الاستهانة بالألفاظ التي قد تخرج من الإنسان دون تفكير.

---

# 2- «وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ»
* شرح المفردات:
* نذر: هو أن يلزم الإنسان نفسه بعبادة أو طاعة لم تكن واجبة عليه بأصل الشرع، كأن يقول: "لله عليَّ أن أصوم شهراً إن شفى الله مريضي".
* فيما لا يملك: أي في شيء ليس في ملكه ولا قدرة له عليه.
* شرح المعنى:
النذر عبادة، وشروطه أن يكون في طاعة الله وفيما يستطيع الإنسان فعله. فلو نذر الإنسان شيئاً لا يملكه، كأن ينذر أن يتصدق بمال أخيه، أو أن يعتق عبداً لا يملكه، أو أن يذبح شاة ليست ملكاً له، فإن هذا النذر باطل ولا ينعقد، وليس عليه شيء ولا كفارة، لأنه نذر في معصية (وهي التصرف في ملك الغير بغير حق) وفيما لا قدرة له عليه.
* الدروس المستفادة:
* النذر مكروه في الأصل، والأولى للمسلم ألا ينذر.
* إذا وقع النذر، فيجب أن يكون في طاعة الله فقط.
* لا يصح الالتزام بما لا يقدر عليه الإنسان أو بما لا يملك.

---

# 3- «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
* شرح المفردات:
* قتل نفسه: أي انتحر.
* عذب به: يعاقب بنفس الأداة أو الطريقة التي قتل بها نفسه.
* شرح المعنى:
هذا وعيد شديد لمن يقدم على الانتحار، وهو من كبائر الذنوب. فمن قتل نفسه بمسدس، عذب به في النار، ومن قتل نفسه بتناول سم، عذب بتناوله في النار، ومن تردى من مكان عالٍ، عذب بالتردي في النار، وهكذا. وهذا العذاب خاص بفاعل هذه الجريمة الشنيعة، التي استعجل الموت وهرب من رحمة الله، متجاهلاً أن الابتلاء قد يكون تكفيراً للذنوب ورفعة للدرجات.
* الدروس المستفادة:
* تحريم الانتحار تحريماً قاطعاً وهو من الكبائر.
* أهمية الصبر على البلاء واليقين بأن مع العسر يسراً.
* بيان عدل الله تعالى، حيث جعل العقوبة من جنس العمل.

---

# 4- «وَمَنْ لَعَنَ مُؤْمِنًا فَهُوَ كَقَتْلِهِ»
* شرح المفردات:
* لعن: الدعاء على الشخص بالإبعاد من رحمة الله.
* كقتله: في الإثم العظيم، وليس في الحكم (أي لا يُقتص منه كما يُقتص من القاتل).
* شرح المعنى:
اللعن من الأفعال المحرمة، وهو إذا وُجِّه لمؤمن فهو من كبائر الذنوب. شبه النبي صلى الله عليه وسلم إثم لعن المؤمن وإبعاده عن الرحمة بإثم قتله، لما فيه من الاعتداء على حرمة المسلم والاعتداء على حق الله في أن يرحم من يشاء. وهذا تشبيه في عظم الجرم والوزر، لا في الحكم الشرعي.
* الدروس المستفادة:
* حرمة المسلم عظيمة، وحرمة لسانه وعرضه كحرمة دمه.
* التحذير من الاستهانة باللسان وألفاظ السب واللعن.