لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر فضائل الشام وبيان علامة من علامات استمرار نصر هذه الأمة. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

١. شرح المفردات:
● أهل الشام: هم سكان المنطقة المعروفة ببلاد الشام، والتي تشمل في زماننا: سوريا، والأردن، وفلسطين، ولبنان، وأجزاء من جنوب تركيا.
● فسد أهل الشام: أي فسد حالهم، وانحرفوا عن طريق الحق والاستقامة، وظهر فيهم الفساد الأخلاقي، أو السياسي، أو العقدي.
● فلا خير فيكم: الخطاب للأمة الإسلامية، أي إذا فسدت هذه البلدة المباركة، فإن الخير العام في الأمة يكون قد ضعف وقلّ.
● طائفة: جماعة من الناس.
● منصورين: أي مؤيدين بنصر من الله تعالى وتأييده.
● من خذلهم: أي من تخلى عن نصرتهم وعاون أعداءهم أو وقف موقف المتفرج.

---

٢. شرح الحديث:
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن مكانة أهل الشام وأهميتهم في جسم الأمة الإسلامية.
● الجزء الأول: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم"
هذا تحذير نبوي شديد اللهجة، يبين أن صلاح أهل الشام مرتبط بصلاح الأمة كلها، وفسادهم علامة على تفشي الشر والفساد في سائر البقاع. وليس المقصود انتفاء الخير مطلقاً، بل انتفاء الخير الكامل الوافر، أو أن الخير العام يكون في ضعف ووهن. وهذا يشير إلى المكانة الاستراتيجية والدينية للشام، فهي منذ القدم معقل للجهاد والعلماء، ومهبط للبركات، وكانت مقراً للخلافة الأموية، وهي أرض المحشر والمنشر، وفيها كثير من الأنبياء والصالحين.
● الجزء الثاني: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"
هذا وعد من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بأنها لن تنقرض ولن تموت، بل سيبقى فيها حتى قيام الساعة جماعة قائمة على الحق، مؤيدة بنصر الله، لا يقوى أعداؤها على إبادتها أو القضاء عليها، حتى ولو خذلهم الآخرون وتخلى عنهم الناس. وهذه الطائفة قد تكون في الشام أو في غيرها، ولكن الحديث ربط بدايةً بين فساد الشام وانتشار الشر، ثم بين بقاء الطائفة المنصورة التي هي علامة بقاء الخير في الأمة.

---

٣. الدروس المستفادة منه:
1- مكانة بلاد الشام: الحديث يرفع من شأن بلاد الشام ويبين عظم مكانتها في الإسلام، وأنها معقل من معاقل الإيمان والخير.
2- علامات الساعة: فساد أهل الشام من أشراط الساعة الصغرى، وهو علامة على اقتراب الفتن واشتدادها.
3- بشارة النصر والاستمرار: الحديث يبعث الأمل والطمأنينة في نفوس المؤمنين، بأن دين الله منصور لا محالة، وأن أعداء الله لن يقدروا على استئصال شأفة الإسلام.
4- وجوب نصر الحق وأهله: ذم التخاذل وخذلان أهل الحق، والحث على نصرتهم ومواساتهم، لأنهم هم حصن الأمة وسياجها.
5- الثبات على الدين: الحث على الثبات على الدين والتمسك به، والانتماء إلى هذه الطائفة المنصورة بالقلب واللسان والحال إن لم نكن منهم بالجسد.

---

٤. معلومات إضافية مفيدة:
● صحة الحديث: الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال عنه الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الألباني: صحيح. فهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
● الطائفة المنصورة: اختلف العلماء في تحديدها على أقوال، وأصحها أنها "أهل العلم الشرعي والجهاد"، وهم العلماء العاملون، والمجاهدون الصادقون، الذين يقيمون حجة الله على عباده، ويذبون عن دينه. وهم ليسوا محصورين في بلد معين، ولكن قد يجتمعون في مكان وينتشرون في أماكن.
● الربط بين الجزأين: يشير العلماء إلى أن الحديث يربط بين علامة شر (فساد الشام) وبشارة خير (استمرار الطائفة المنصورة)، ليبين أن الفساد وإن علا وظهر، فإن الخير لا يزال موجوداً، والنصر حليف المؤمنين إلى قيام الساعة.
أسأل الله أن يجعلنا من أنصار دينه، وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.