أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم يحذر من ثلاثة أمور هي من أبغض الذنوب إلى الله تعالى، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بإذن الله.
الحديث:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلَاثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ».
رواية الحديث ومصدره:
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب "الديات"، باب "إثم من قتل ذمياً بغير حق"، وهو حديث صحيح متفق على صحته.

---

1. شرح المفردات:

● أبغض الناس إلى الله: أي أكثرهم إثماً وأعظمهم جرماً وأشدهم مقتاً عند الله تعالى.
● مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ:
● مُلْحِد: الإلحاد هو الميل عن الحق، والمراد به هنا: من يعمل معصية أو كفراً في الحرم.
● فِي الْحَرَمِ: أي في مكة المكرمة أو المنطقة المحيطة بالكعبة المشرفة، التي جعلها الله آمناً.
● مُبْتَغٍ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ:
● مُبْتَغٍ: طالبٌ وراغبٌ.
● سُنَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ: عاداتها وأفعالها الباطلة، مثل العصبية القبلية، والثأر بغير حق، والتفاخر بالأنساب.
● مُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ:
● مُطَّلِبُ: طالبٌ ومتتبعٌ.
● دَمِ امْرِئٍ: أي قتل إنسان.
● بِغَيْرِ حَقٍّ: بدون سبب شرعي.
● لِيُهَرِيقَ دَمَهُ: ليقوم بقتله وسفك دمه.

---

2. شرح الحديث:

يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن这三类 الأشخاص (ثلاثة أنواع) هم الأكثر بغضاً إلى الله تعالى، وهم:
1- الملحد في الحرم:
وهو الذي يرتكب المعاصي أو الكفر في حرم الله الآمن. والحرم له حرمة عظيمة، فمن تعمد الإساءة فيه، فإن ذنبه أعظم؛ لأنه استخف بحرمة المكان الذي عظّمه الله. وهذا يشمل من يحلّف بالله كذباً في الحرم، أو يسرق، أو يظلم، أو يعمل أي معصية، ويدخل فيه أيضاً من يعبد غير الله في الحرم.
2- مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية:
وهو الذي يريد أن يعيش في الإسلام وهو متمسك بعادات الجاهلية وأفكارها الباطلة. مثل: التعصب للقبيلة أو العرق بالباطل، والتفاخر بالأحساب والأنساب، والتحاكم إلى الطواغيت، أو اتباع الأهواء المخالفة للشريعة. الإسلام جاء ليحرر الناس من هذه الأوهام، فمن رجع إليها بعد الإسلام فهو من أبغض الناس إلى الله.
3- مطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه:
وهو الشخص الذي يطلب قتل إنسان بريء، أو يتعقبه ليفتعل سبباً لقتله، دون أن يكون له حق شرعي في ذلك، كالقصاص أو حد من حدود الله. وهذا يشمل القتل بدافع الحقد، أو الحسد، أو لأجل مال، أو للثأر بغير حق. وهذا الفعل من أعظم الكبائر، بل هو إفساد في الأرض.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- تعظيم حرمات الله: الحديث يرشدنا إلى تعظيم ما عظمه الله، especially الحرم الشريف، فلا يجوز الاستهانة بحرمته بارتكاب المعاصي فيه.
2- البراءة من الجاهلية: على المسلم أن يقطع كل صلة له بعادات الجاهلية وأفكارها، وأن يتمسك بشريعة الإسلام التي جاءت لتكريم الإنسان وإقامة العدل.
3- حرمة الدماء: يؤكد الحديث على حرمة دم المسلم والمعصوم، وأنه لا يجوز الاعتداء عليه بأي حال من الأحوال. حفظ الدماء أحد مقاصد الشريعة الكبرى.
4- بيان خطورة هذه الذنوب: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحاب هذه الصفات هم "أبغض الناس إلى الله"، مما يدل على عظم إثم هذه الأفعال وخطورتها على الفرد والمجتمع.
5- الحث على السلامة والأمان: النهي عن هذه الأفعال فيه تحقيق للأمن والاستقرار في المجتمع، وحماية لأرواح الناس وأعراضهم وأموالهم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- الحديث يدخل في باب "الزجر والوعيد"، وهو تحذير شديد من الوقوع في هذه الكبائر.
- الإلحاد في الحرم قد يكون كفراً إذا كان إنكاراً لله أو استهزاءً به، وقد يكون معصية كبيرة إذا كان ذنباً دون الكفر.
- "سنة الجاهلية" ليست مقصورة على زمن معين، بل كل عادة أو فكرة تخالف شرع الله فهي من سنن الجاهلية، يجب على المسلم تجنبها.
- هذا الحديث يربي في المسلم الوازع الديني والخوف من الله، ويجعله حريصاً على عدم الاعتداء على حرمات الله وحرمات الناس.
نسأل الله أن يجنبنا هذه الصفات الذميمة، وأن يوفقنا