نهى رسول الله ﷺ عن الشراء والبيع في المسجد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بالعلم النافع. هذا حديث شريف جمع بين عدد من الآداب المتعلقة بقدسية المسجد وحرمته، وإليك الشرح المفصل له:

---

الحديث بلفظه:

عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه أنَّ رسول الله ﷺ نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلُّق قبل الصلاة يوم الجمعة.
(رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وحسنه الترمذي والألباني)

---

1. شرح المفردات:

● نهى: أي حرَّم أو منع منعاً شديداً.
● تنشد ضالة: أي تطلب وتُنادي على شيء ضاع منك (كأن تقول: ضاع مني كذا، فمن وجده فلْيَرُدَّه).
● تنشد شعر: أي تُلقِي أو تُنْشِد قصائد الشعر.
● التحلُّق: أي أن يجلس القوم على شكل حِلَق (دوائر) يتحدثون قبل أن يصلي الإمام صلاة الجمعة.

---

2. شرح الحديث:

ينهى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن أربعة أمور، ثلاثة منها تتعلق بالمسجد بشكل عام، والرابع يتعلق بوقت خاص وهو يوم الجمعة:
أولاً: النهي عن الشراء والبيع في المسجد:
● المعنى: يحرم إقامة المعاملات التجارية من بيع وشراء داخل المسجد.
● الحكمة: المسجد بني للعبادة وذكر الله، من صلاة وتلاوة قرآن ودعاء واعتكاف، فإدخال المعاملات الدنيوية فيه يُفْقِده هيبته وقدسيته، ويشغل المصليين، ويُدخِل عليه ما ليس منه. وهو مكان للتزكية والتعلم، وليس سوقاً للمتاجرة.
ثانياً: النهي عن إنشاد الضالة في المسجد:
● المعنى: لا يجوز للمسلم أن يعلن عن شيء ضاع منه داخل المسجد وينادي طالباً إياه.
● الحكمة: هذا الفعل يحوّل المسجد من مكان للذكر والعبادة إلى مكان للإعلانات والشواغل الدنيوية، مما يسبب اللغط والضوضاء وينافي السكينة والوقار الواجبين في بيت الله.
ثالثاً: النهي عن إنشاد الشعر في المسجد:
● المعنى: يحرم إلقاء قصائد الشعر داخل المسجد، حتى لو كان مدحاً أو ذماً، لأنه ليس محله.
● الحكمة: المسجد ليس منبراً للأدب أو للمباريات الشعرية، إلا إذا كان الشعر يحث على virtue أو يذم رذيلة ويندر تحت باب الوعظ والإرشاد بطريقة لا تسبب لغطاً، ولكن الأصل المنع حفظاً لقدسية المكان.
رابعاً: النهي عن التحلُّق قبل الصلاة يوم الجمعة:
● المعنى: يُكره أن يجلس الناس في حلقات للتحدث والأخذ والرد في أمور الدنيا بعد دخول وقت الخطبة وقبل أن يَصْعَد الإمام على المنبر ويبدأ خطبته.
● الحكمة: الوقت بين دخول وقت الجمعة وصعود الإمام للخطبة هو وقت للاستعداد النفسي والروحي لاستماع الخطبة، والإكثار من الذكر والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. إشغال هذا الوقت بالحديث في أمور الدنيا يفوّت على الإنسان أجراً عظيماً ويشغله عن الغاية الأساسية من الحضور، وهي استماع الموعظة والذكر.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- تعظيم حرمات الله: النهي عن هذه الأمور في المسجد يدل على وجوب تعظيم حرمات الله تعالى، وأن للمساجد حرمةً خاصةً يجب الحفاظ عليها.
2- تخصيص المكان لمقصوده: لكل مكان غاية وُجِد من أجلها، والمسجد وُجِد للعبادة، فيجب صرفُه لها والحفاظ على طهارته المعنوية والمادية.
3- التركيز على العبادة: النهي عن هذه الأشياء يحفظ للمصلي خشوعه، وللمسجد سكينته ووقاره، ويبعد عنه ما يشغل أهلَه عن الغاية التي من أجلها بني.
4- تنظيم السلوك الاجتماعي: الحديث يضع ضوابط للسلوك داخل المسجد، ليبقى محافظاً على هيبته ومكانته في نفوس المسلمين.
5- الاستعداد للجمعة: النهي عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة يعلّمنا كيفية استغلال هذا الوقت الثمين فيما يُقرّب إلى الله تعالى بدلاً من إضاعته في حديث الدنيا.

---

4. معلومات إضافية:

● حكم البيع والشراء في المسجد: ذهب جمهور العلماء (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى كراهة تحريم البيع والشراء في المسجد، وذهب المالكية إلى كراهة تنزيه.
● الاستثناء: يُستثنى من ذلك إذا كان البيع أو الشراء لخدمة المسجد أو مصلحته، مثل شراء سجاد أو مصاحف، فيجوز عند الحاجة.
● إنشاد الشعر: يستثنى من النهي الشعر الذي فيه حث على الخير أو وعظ، إذا كان بطريقة لا تسبب إزعاجاً وتكون جزءاً من نشاط دعوي أو علمي منضبط.
● الضالة: إذا ضاع شيء في المسجد نفسه، فيجوز السؤال عنه بطريقة مهذبة وهادفة دون إثارة لغط، كأن يسأل الإمام بعد الصلاة مثلاً.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يعظمون حرماته، ويحافظون على قدسية بيوته، ويتأدبون بآداب الإسلام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.