رفض النبي اكل الذبائح المذبوحة على الانصاب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكرتَ رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث عظيم يحكي قصة لقاء النبي ﷺ، قبل البعثة، برجل من أحناف العرب الذين رفضوا عبادة الأصنام وتمسكوا ببقايا دين إبراهيم عليه السلام، وهو زيد بن عمرو بن نفيل.

---

أولاً. شرح المفردات:

● بأسفل بلدح: "بلدح" هو مكان قرب مكة، و"أسفل" يعني في الجزء المنخفض منه. وهو موضع معروف.
● سُفْرَةٌ: أي مائدة أو طعام قدّم له ليأكل منه.
● أنصابكم: الأنصاب هي الأحجار التي كان المشركون ينصبونها حول الكعبة ويذبحون عليها تقرباً لها وتعظيماً، وهي نوع من أنواع الأصنام.
● يعيب على قريش ذبائحهم: أي ينتقد طريقة ذبحهم ويعدها فاسدة.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ، وكان ذلك قبل أن ينزل عليه الوحي ويبعث نبياً، قد التقى بزيد بن عمرو بن نفيل في مكان يسمى "أسفل بلدح".
فقدّم الناس طعاماً (سُفْرَة) للنبي ﷺ، فامتنع زيد عن الأكل منها. ثم بيّن سبب امتناعه قائلاً: "إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم". فهو يرفض أن يأكل من الذبائح التي تذبح تقرباً وتعبّداً للأصنام (الأنصاب)، لأن هذا شرك بالله. ثم أكد على مبدأه قائلاً: "ولا آكل إلا ما يذكر اسم الله عليه". أي أنه لا يأكل إلا من الذبائح التي تذبح بطريقة شرعية، وهي التي يُذكر اسم الله تعالى عليها عند ذبحها، توحيداً لله وإخلاصاً له.
ثم يشرح الراوي أن هذا الموقف لم يكن случайياً، بل كان سمة مميزة لزيد بن عمرو، فقد كان ينكر على قومه قريش طريقة ذبحهم، وكان يعظّم أمر الذبح لله وحده، حتى إنه كان يعلل تحريمه لأكل تلك الذبائح بحجة عقلية تظهر عظمة الخالق، فيقول: "الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض" فكيف تُذبح ثم لا يُذكر اسم خالقها ومنعمها عليها، بل يذكر اسم صنم أو حجر لا يضر ولا ينفع؟! فكان هذا إنكاراً صريحاً للشرك وإعظاماً لله تعالى.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- التوحيد هو أساس الدين: كان زيد بن عمرو يبحث عن دين إبراهيم الحنيفية ويرفض الشرك، مما يدل على أن الفطرة السليمة تنكر عبادة غير الله. وهذا يؤكد أن التوحيد هو الأصل الذي فطر الله الناس عليه.
2- تحريم أكل ما ذبح على غير اسم الله: هذا الحديث أصل في بيان أن الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها، أو ذبحت تقرباً لغير الله (كالأصنام)، فإنها حرام ولا تحل لأكلها. وهذا الحكم مؤكد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}.
3- التمسك بالحق وإن كان الإنسان وحيداً: قصة زيد بن عمرو مثال للرجل الذي لم يتبع القطيع، بل ثبت على ما يعتقده حقاً رغم أنه كان وحيداً بين قومه المشركين. وهذا درس في قوة الإيمان والشجاعة في قول الحق.
4- إبطال التقليد الأعمى: يظهر الموقف نقداً واضحاً للتقليد الأعمى في العبادات والعادات، حيث كان زيد يرفض أن يفعل كما يفعل قومه لمجرد أنهم آباؤه وأهله، بل كان ينظر في عاقبة الأمر وحكمته.
5- عظمة نبوة محمد ﷺ: هذا اللقاء يحصل قبل البعثة، مما يظهر أن النبي ﷺ كان محفوظاً بحفظ الله حتى قبل أن يُبعث، فلم يكن يأكل من تلك الذبائح المُشرَك بها، وكان الله يهيئه للنبوة.
6- مكانة زيد بن عمرو: يعتبر زيد من الأحناف الذين لم يسجدوا لصنم قط، ومات على الحنيفية قبل البعثة النبوية. وقد روي أن النبي ﷺ قال عنه: "يبعث يوم القيامة أمة وحده"، تقديراً لثباته على التوحيد.

---

معلومات إضافية:

- زيد بن عمرو بن نفيل هو عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر يعتز به ويذكر مناقبه.
- لم يدرك زيد الإسلام، بل مات قبل البعثة، ولكن سلمى أم النبي ﷺ كانت ترضعه، فكان من المحنفين الذين أنكروا الشرك.
- في هذا الحديث دليل على أن الذبح لغير الله شرك أكبر، سواء كان على نصب أو قبر أو غير ذلك.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يجعلنا من المؤمنين الموحدين الذين لا يشركون به شيئاً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.