حق الله على العباد: عبادته وترك الشرك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو من الأحاديث الصحيحة التي أخرجها الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، يحمل في طياته أعظم أساسيات العقيدة الإسلامية وأجلّها.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● ردف النبي ﷺ: أي كنت راكبًا خلف النبي صلى الله عليه وسلم على نفس الدابة.
● عفير: اسم الحمار الذي كان يركبه النبي صلى الله عليه وسلم.
● حق الله على عباده: ما أوجبه الله تعالى على خلقه من الطاعات.
● حق العباد على الله: ما وعده الله تعالى به من الثواب والعطاء لمن أطاعه، وهو وعْدٌ قائمٌ على فضله وكرمه، لا على إلزامٍ من أحد.
● فيَتَّكِلُوا: أي يعتمدوا على هذا الوعد ويُهملوا العمل ويتساهلوا في الطاعة.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان راكبًا خلف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار، فانتهز النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة ليعلّمه أمرًا عظيمًا من أمور الدين.
بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بسؤالٍ يحفز الذهن ويشد الانتباه، سأل معاذًا: "يا معاذ، هل تدري حق الله على عباده، وما حق العباد على الله؟".
فأجاب معاذ بحكمة العالم المتواضع: "الله ورسوله أعلم"، وهذا أدبٌ عظيم في طلب العلم، فالذي لا يعرف يجب أن يرد العلم إلى أهله.
فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحقائق الجليلة:
1- "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا":
وهذا هو أعظم الحقوق وأجلها، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، أي أن يُفرد الله تعالى بالعبادة من صلاة، ودعاء، وخوف، ورجاء، وتوكل، وغيرها، وينزه عن جميع أنواع الشرك.
2- "وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا":
وهذا من فضل الله تعالى وجوده وكرمه، فهو وعدٌ منه سبحانه بأنه لا يعذب من مات على التوحيد الخالص من الشرك. وهذا الوعد مشروط بعدم الإشراك بالله، وهو يشملك كل من وحّد الله ولم يشرك به شيئًا، يدخل في ذلك أهل الكبائر من الموحدين، فإنهم وإن عُذّبوا بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار بفضل هذا الوعد الكريم، بل يخرجون منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو برحمة الله تعالى.
فلما سمع معاذ رضي الله عنه هذا الوعد العظيم، فرح به واشتهى أن يبشر الناس ليكون سببًا في دخولهم الجنة، فقال: "يا رسول الله، أفلا أبشر به الناس؟".
فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في ذلك الوقت وقال: "لا تُبشّرهم، فيتكلوا"، أي كي لا يعتمد الناس على هذا الوعد فقط ويتهاونوا في أداء الواجبات والطاعات، ويرتكبوا المعاصي relying on God's رحمة without doing good deeds.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة من الحديث:

1- بيان أعظم الحقوق: فأعظم حق هو حق الله تعالى على عباده بالتوحيد وعدم الإشراك به.
2- سعة فضل الله وكرمه: فمن وفّى بحق الله تعالى، فإن الله قد وعده بعدم العذاب، وهذا من تمام عدله وفضله.
3- الحكمة في الدعوة والتعليم: نهي النبي صلى الله عليه وسلم معاذًا عن تبشير الناس في تلك الحالة درسٌ عظيم في التربية،فخاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يفهم الناس هذا الوعد فهمًا خاطئًا فيتكلوا ويتكاسلوا عن العمل. فالدعوة需要 حكمة وتبصير بمقاصد الشريعة.
4- أدب المتعلم مع معلمه: يتجلى في قول معاذ: "الله ورسوله أعلم".
5- أن التوحيد هو السبب الأعظم للنجاة من النار: فمن مات على التوحيد الخالص، فإن مصيره إلى الجنة وإن دخل النار أولاً بسبب ذنوبه.

---

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث هو أصل عظيم من أصول العقيدة السلفية، ويستدل به على أن مرتكب الكبيرة من الموحدين لا يخلد في النار.
- النهي عن التبشير كان في وقتٍ مبكر من الدعوة، لحكمةٍ أرادها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لاحقاً أمر بتبليغ العلم ونشره، فقد بلغ معاذٌ الحديثَ كما في روايات أخرى، بعد أن تأكد أن الناس قد فهموا مقاصد الشريعة واستقاموا على الطاعة.
- في هذا الحديث بيان لمنهج أهل السنة والجماعة في إثبات صفات الله وأفعاله، فهم يثبتون لله ما أثبته لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن ذلك إثبات الوعد الذي هو من أفعاله سبحانه.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الموحدين له، المخْلِصين في عبادته، وأن يتوفانا على الإسلام والسنة.