ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يتركهن أهل الإسلام

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين.
الحديث الشريف:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاثٌ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُهُنَّ أَهْلُ الإِسْلاَمِ: النِّيَاحَةُ، وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ، وَكَذَا». قُلْتُ لِسَعِيدٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ: يَا آلَ فُلاَنٍ، يَا آلَ فُلاَنٍ...».
(رواه الإمام مسلم في صحيحه)

---

الشرح الوافي:

---

# أولاً. شرح المفردات:

1- أهل الجاهليّة: هم العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعيشون في ظلام من الجهل بالله وشرائعه، والجهل بالأخلاق والقيم الصحيحة.
2- النّياحة: هي رفع الصوت بالبكاء والعويل والندب على الميت، مع ذكر محاسنه بصورة تظهر الجزع وعدم الرضا بقضاء الله وقدره. وقد تكون النائحة امرأة تُؤجر لذلك.
3- الاستسقاء بالأنواء: هو نسبة سقوط المطر ونبات الأرض إلى النجوم والكواكب. فكانوا يقولون: "مطرنا بنوء كذا وكذا"، فينسبون النعمة إلى النجوم لا إلى مسببها الحقيقي وهو الله تعالى.
4- دعوى الجاهليّة (يا آل فلان): هي الدعوة إلى العصبية القبلية والتحزب لغير الله، والانتساب إلى آباء أو قبائل أو عشائر للتعاظم بها أو التحزب ضد الآخرين، وترك الانتساب إلى الإسلام الذي هو الرابطة الوحيدة بين المؤمنين.

---

# ثانيًا. المعنى الإجمالي للحديث:

يبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاثة أمور سيئة كانت من عادات وتقاليد الجاهلية الأولى، وحذّر من أن تبقى موجودة في مجتمع المسلمين، لأنها تناقض عقيدة التوحيد والإيمان بالقدر، وتُضعف روابط الأخوة الإسلامية. وهي:
1- النّياحة على الموتى، لما فيها من جزع وسخط على قضاء الله.
2- نسبة المطر إلى الأنواء (النجوم)، لما فيه من شرك في التوحيد، حيث تنسب النعمة لغير الله.
3- الدعوة إلى العصبية القبلية والتفاخر بالأنساب، لما فيه من تمزيق لوحدة الصف الإسلامي وإحياء لروح الجاهلية.
والحديث ليس إخبارًا بأن المسلمين لن يتركوا هذه الأمور، بل هو تحذير ونهي شديد عن فعلها، وبيان أنها من أفعال الجاهلية التي لا تليق بمسلم. فهو بمعنى: "ثلاثٌ لا ينبغي لأهل الإسلام أن يفعلوها، لأنها من شيم الجاهلية".

---

# ثالثًا. الدروس المستفادة والفَوائد:

1- تحريم النياحة على الميت: يجب على المسلم الصبر والاحتساب عند المصيبة، والاسترجاع بقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها". والنياحة من كبائر الذنوب، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم النائحة بأنها إن لم تتب تبعث يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب.
2- إثبات أن الله هو الرزاق: يجب نسبة النعم كلها إلى الله تعالى وحده، فهو الذي يسقي الزرع وينزل الغيث. وقول المسلم: "مطرنا بفضل الله ورحمته" هو الذي يليق بعقيدة التوحيد. أما نسبة ذلك إلى النجوم فهو نوع من الشرك في الألوهية، لأنه اعتراف لها بتأثير مستقل.
3- ذم العصبية القبلية والحمية الجاهلية: الإسلام جاء ليُلغِي الفوارق العنصرية والقبلية، ويجعل المعيار الوحيد للتفاضل هو التقوى والعمل الصالح. قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. فالدعوة إلى "يا آل فلان" لإثارة النزاع أو الاحتقار أو التفاخر هي من دعاوى الجاهلية المذمومة.
4- وجوب التمسك بهوية الإسلام: المسلم ينتمي إلى دينه أولاً وأخيرًا، ولا يجوز أن تكون ولاءاته لغير الله ورسوله والمؤمنين. يجب أن تكون الروابط قائمة على الدين لا على النسب أو العرق.
5- الحديث ينبه إلى ظاهرة خطيرة: وهي استمرار بعض العادات الجاهلية في المجتمعات المسلمة تحت مسميات "العادات والتقاليد"، فيجب التنبه لها وتطهير المجتمع منها.

---

# رابعًا. معلومات إضافية:

* الفرق بين النياحة والبكاء: البكاء بلا صوت أو بصوت خفيض من غير ندب ولا جزع هو أمر فطري لا حرج فيه، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم. أما النياحة فهي رفع الصوت بالندب واللعّب (ذكر محاسن الميت) وهي المحرمة.
* لا حرج في ذكر النسب للتعريف فقط، كقولك: "هو فلان بن فلان من قبيلة كذا"، إن كان للتعريف لا للتفاخر أو الاحتقار.
* هذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث جمع في كلمات قليلة أصولاً كبرى من أخلاق الجاهلية التي حاربها الإسلام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.