المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

حديث: المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [سورة البقرة: ٢٥٦] قال: كانت المرأةُ من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد، فتحلفُ: لئنْ عاش لها ولد لتهوِّدنَّهُ. فلما أُجْليتُ بنو النَّضير إذا فيهم ناس من أبناء الأنصار. فقالت الأنصار: يا رسول اللَّه، أبناؤنا، فأنزل اللَّه هذه الآية ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾.
قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام.

صحيح: رواه ابن حبان في صحيحه (١٤٠) عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببُست، قال: حدثنا حسن بن عليّ الحلْوانيّ، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، وأشكرك حرصك على فهم حديث رسول الله ﷺ وفقهه. هذا الحديث الذي ذكر هو تفسيرٌ قيمٌ من صحابي جليل، حبر الأمة وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، لآية عظيمة من كتاب الله تعالى.
دعنا نتناول شرح هذا الحديث النفيس وفق الخطوات التي طلبتها:

1. شرح المفردات:

* لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ: لا إجبارَ أو إلزامَ لأحدٍ على الدخول في دين الإسلام.
* الأنصار: هم أهل المدينة المنورة من الأوس والخزرج الذين نصروا رسول الله ﷺ وآووه.
* لا يكاد يعيش لها ولد: كان أطفالهم يموتون صغاراً (وهذه كانت عادة في الجاهلية تسمى "الوَأْد" المعنوي).
* لَتَهَوِّدَنَّهُ: قسمٌ وتعاهدٌ على أن تجعله يهودياً وتنشئه على الديانة اليهودية إذا عاش.
* أُجليت بنو النضير: هم قبيلة يهودية كانت تسكن في المدينة، وقد أجلاهم رسول الله ﷺ (أي طردهم) منها بسبب غدرهم ونقضهم للعهد.
* فمن شاء لحق بهم، ومن شاء دخل في الإسلام: هذه العبارة من سعيد بن جبير (تلميذ ابن عباس) توضح الحكم العملي الذي انبنى على الآية.

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يبيّن لنا ابن عباس رضي الله عنهما المناسبة التي نزلت فيها آية (لا إكراه في الدين)، وهي حادثة واقعية وقعت في زمن النبي ﷺ.
القصة بإيجاز: كانت بعض نساء الأنصار في الجاهلية، إذا مرض ولدها أو خشيت موته، تُقسم وتنذر لله أنه إن عاش هذا الولد فستجعله يهودياً كنوع من التبرك أو اعتقاداً خاطئاً بأن هذا سيشفع له عند الله! وعندما كبر هؤلاء الأولاد، نشأوا في بيئة يهود بني النضير وتشربوا دينهم. فلما أجل النبي ﷺ بني النضير من المدينة بعد غدرهم، ظهر ضمنهم هؤلاء الشباب من أصل أنصاري. فجاء آباؤهم الأنصار إلى رسول الله ﷺ وقالوا: هؤلاء أبناؤنا، وطالبوا بإعادتهم إليهم وإخراجهم من المجتمع اليهودي المُجلى، ظناً منهم أنهم يُكرهون على البقاء على اليهودية أو أنهم يتبعون آباءهم بالإكراه.
فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. أي أن الأمر مُفوَّض إلى اختيارهم، فمن شاء أن يبقى على يهوديته ويخرج مع قومه فله ذلك، ومن شاء أن يدخل في الإسلام ويبقى مع أبويه المسلمين فله ذلك أيضاً. لا يجوز إكراه أحدٍ على اعتناق الإسلام أو البقاء عليه.

3. الدروس المستفادة منه:

1- حرية الاعتقاد أصلٌ ثابت في الإسلام: هذه الآية والحديث الذي يفسرها هما دليل قاطع على أن الإسلام لا يُجبر الناس على الدخول فيه. الإيمان قناعة قلبية واختيار شخصي، والإكراه ينافي حقيقته. قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
2- الفرق بين الإكراه في الدخول في الدين وبين تطبيق أحكام الدين في دار الإسلام: الآية خاصة بعدم إجبار غير المسلم على اعتناق الإسلام. أما من دخل في الإسلام باختياره، فإنه يخضع لأحكامه وشريعته التي ينظم بها المجتمع. كما أن الآية لا تعني قبول الكفر أو الترويج له، بل يعني عدم الإجبار على تغيير المعتقد.
3- بيان حكمة التشريع: كثير من آيات القرآن نزلت معالجةً لأحداث ووقائع حصلت (أسباب النزول)، مما يسهل فهمها وتطبيقها.
4- خطورة النذور والعهود الباطلة: الحديث يحذر من التعامل مع الله بالنذور التي تخالف شرعه، كأن ينذر الإنسان شيئاً محرماً أو شركياً.
5- الحكمة في معاملة أهل الذمة: القصة show كيف تعامل النبي ﷺ مع غير المسلمين في المجتمع المسلم بإنصاف، وأعطاهم حرية الاختيار في البقاء على دينهم أو الدخول في الإسلام.

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذه الآية نزلت في المدينة بعد أن استقر أمر الإسلام وصار له دولة وقوة، مما يؤكد أن القوة في الإسلام ليست للإكراه على الدين، بل لحماية حرية الدين نفسها .
* قال الإمام القرطبي في تفسيره: "هذه الآية منسوخة بآية القتال... والصحيح الذي عليه الأكثر أنها محكمة غير منسوخة". والراجح أن الآية محكمة، وأن الإكراه على الدين ليس من منهج الإسلام، والآيات التي تأمر بالقتال لها أسبابها الخاصة كقتال المعتدين ومانعي الدعوة.
* العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فحكم الآية (عدم الإكراه في الدين) عام يشمل جميع الناس في جميع الأزمان.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، والاتباع لسنة نبيه ﷺ. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه ابن حبان في صحيحه (١٤٠) عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل ببُست، قال: حدثنا حسن بن عليّ الحلْوانيّ، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره.
وإسناده صحيح، ورجاله ثقات، وأبو بشر هو جعفر بن إياس بن أبي وحْشية كان من أثبت
الناس في سعيد بن جبير.
ورواه أبو داود (٢٦٨٢) عن الحسن بن عليّ الحلوانيّ بإسناده، مثله، وفيه: «كانت المرأة تكون مِقْلاتًا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده» إِلَّا أنه لم يرفعه، وحكمه الرّفع.
وقوله: «مقلاتًا» المقلات قال أبو داود: التي لا يعيش لها ولد.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 132 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

📜 حديث: المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف لئن عاش لتهودنه

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية