الكلب الأسود شيطان يقطع الصلاة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يتناول مسألة مهمة من آداب الصلاة، وهي اتخاذ السترة للمصلي وبيان ما يقطع الصلاة إذا مر بين يدي المصلي.
### أولاً. نص الحديث ورواته
روى هذا الحديث الإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم من أئمة الحديث. وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

### ثانياً. شرح المفردات
● يُصلي: أي يؤدي الصلاة المفروضة أو النافلة.
● فإنه يستُره: أي يجعل بين يديه شيئاً يكون سترة له يحجب ما وراءه.
● مثل آخرة الرحل: "الرَّحْل" هو الهودج الذي يوضع على البعير للركوب. و"آخِرَة الرحل" هي القطعة الخشبية التي تكون في مؤخرة الهودج (وتسمى أحيانًا "العَذْرَة"). والمقصود: أي شيء قائم ولو كان قصيراً مثل ارتفاع هذه القطعة التي تقدّر بنحو شبر أو شبرين (حوالي 20-30 سم).
● يقطع صلاته: أي ينقصها ويبطلها على الراجح من أقوال العلماء، أو يفسد الخشوع فيها وينقص الأجر على قول آخر.
● الكلب الأسود شيطان: وصف له لشدة شراسته وسواده الذي يشبه ظلمة الشيطان، أو لأنه أكثر تخويفاً وإفزاعاً في الليل.

### ثالثاً. شرح الحديث
يُبيّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أمرين مهمين:
1- وجوب اتخاذ السترة في الصلاة: يأمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يجعل بين يديه سترة إذا صلى، سواء كان يصلي في مسجد أو في صحراء، وذلك لتحقيق أمرين:
* منع المرور بين يديه: فوجود السترة يمنع الناس من المرور أمام المصلي مباشرة، لأنهم سيدركون أن هناك من يصلي فيتجنبون المرور من أمامه.
* حصر النظر وتركيز الخشوع: السترة تساعد المصلي على توجيه بصره إلى موضع سجوده وتمنع تشتت فكره بما وراءها، مما يعين على الخشوع في الصلاة.
2- بيان ما يقطع الصلاة إذا مر بين يدي المصلي: إذا لم يضع المصلي سترة، فإن مرور أحد هذه الثلاثة – الحمار، والمرأة البالغة، والكلب الأسود – بين يديه وبين موضع سجوده يقطع صلاته. والمراد بالقطع هنا البطلان على الصحيح من قولي العلماء، وهو مذهب الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم على هذه الأشياء بعينها، مما يدل على خصوصيتها.
* الحمار: لأنه كان يُستخدم غالباً من قبل أهل البادية، وهو كثير المرور وقد يسبب إزعاجاً للمصلي.
* المرأة البالغة: لأنها قد تشغل المصلي بمرورها.
* الكلب الأسود: لأنه في الغالب أشد شراسةً وأكثر إفزاعاً للناس، خاصة في الليل حيث يشبه لونه الظلمة، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه "شيطان" لهذه الخصائص.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفقهيات
1- سنة السترة مؤكدة: يستحب للمصلي أن يجعل بين يديه سترة، بل ذهب بعض العلماء إلى وجوبها لمن كان يصلي منفرداً أو إماماً، وهذا القول له قوته.
2- القدر الكافي للسترة: لا يشترط في السترة أن تكون عالية، بل يكفي أن تكون مثل "آخرة الرحل" أي ما يقارب شبراً (حوالي 20 سم)، كعمود، أو حائط، أو كرسي، أو حتى خطٌّ على الأرض إذا كان المصلي يعتقد أنه سترة له.
3- موضع السترة: تكون السترة أمام المصلي بحدود ثلاثة أذرع (حوالي 1.5 متر) من موضع سجوده.
4- حكم مرور الإنسان أو الحيوان: إذا وضع المصلي سترة، فمرور أي شيء وراءها لا يؤثر في صلاته. أما إذا لم يضع سترة، فإن مرور الحمار، أو المرأة البالغة، أو الكلب الأسود بين يديه يبطل الصلاة على الراجح. وأما مرور غيرهم (كالصبي، أو الشاة، أو القطة، أو الكلب غير الأسود) فإنه لا يبطل الصلاة ولكنه ينقص الأجر ويُفسد الخشوع، وهو مكروه كراهة شديدة.
5- الحكمة من التشريع: الحكمة هي حفظ المصلي من التشويش وقطع الخشوع، وإبعاد كل ما قد يشغله في صلاته، والتي هي مناجاة بين العبد وربه.

---

خامساً:

تنبيه مهم
قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكلب الأسود شيطان) ليس معناه أنه شيطان من الجن يتلبس به، بل هو كناية وتشبيه، فهو يشبه الشيطان في صفاته من حيث شدة الشراسة والسواد والتفزيع، خاصة في الليل. وهذا من بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم في التعبير.
أسأل الله تعالى أن يقبل صلاتنا، وأن يعيننا على أدائها على الوجه الذي يرضيه، وأن يجعلنا من الخاشعين فيها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.