هل تفقدون من أحد

حديث: هل تفقدون من أحد

عن أبي برزة أن النبي ﷺ كان في مغزًى له، فأفاء الله عليه، فقال لأصحابه: «هل تفقدون من أحدٍ؟» قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، ثم قال: «هل تفقدون من أحد؟» قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، ثم قال: «هل تفقدون من أحد؟» قالوا: لا. قال: «لكني أفقد جُلَيبيبًا فاطلبوه» فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي ﷺ، فوقف عليه فقال: «قتل سبعةً، ثم قتلوه هذا مني، وأنا منه، هذا مني وأنا منه» قال: فوضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي ﷺ قال: فحفر له، ووضع في قبره، ولم يذكر غُسْلًا.

صحيح: رواه مسلم في المناقب (٢٤٧٢) عن إسحاق بن عمر بن سَليط، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نُعيم، عن أبي برزة فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث سيرة النبي ﷺ، يرويه الصحابي الجليل أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه، ويُبرز قصة مؤثرة لصحابي مغمور كان له شأن عظيم عند رسول الله ﷺ.

أولاً. شرح المفردات:

● في مغزًى له: في غزوة من غزواته ﷺ.
● أفاء الله عليه: أي أنعم الله عليهم بالغنيمة والظفر بعد القتال.
● هل تفقدون من أحد؟: هل ينقصكم وتفتقدون أحداً من الجنود؟
● جُلَيبيبًا: هو اسم تصغير لـ "جلباب"، وهو صحابي جليل من الأنصار، كان فقيراً وحيداً لا عشيرة له.
● على ساعديه: الساعد هو الجزء من اليد من المرفق إلى الكف، أي حمله النبي ﷺ بنفسه.
● لم يذكر غُسْلًا: أي أن الراوي لم يذكر أن النبي ﷺ غسله قبل دفنه، مما قد يفيد أنه دفن على حاله كشهيد.

ثانياً. شرح الحديث:

كان النبي ﷺ في إحدى الغزوات، وقد منَّ الله تعالى على المسلمين بالنصر والغنيمة. بعد انتهاء المعركة، سأل ﷺ أصحابه سؤالاً يتكرر ثلاث مرات: "هل تفقدون من أحد؟" أي هل هناك جنود لم يعودوا ولم تعرفوا أماكنهم؟
في المرة الأولى والثانية، ذكر الصحابة أسماء بعض المفقودين. وفي المرة الثالثة، أجابوا بالنفي. عندها أخبرهم النبي ﷺ أنه يفتقد جليبيباً رضي الله عنه، وأمرهم بالبحث عنه.
عندما بحثوا عنه، وجدوه بين القتلى، وقد قُتل إلى جوار سبعة من المشركين قتلهم هو بيديه قبل أن يستشهد. فأتى النبي ﷺ ووقف عند جثمانه وقال كلمات خالدة تظهر مكانة هذا الصحابي: "قتل سبعةً، ثم قتلوه هذا مني، وأنا منه، هذا مني وأنا منه".
ثم حمله النبي ﷺ بنفسه على ساعديه (وهي مكرمة عظيمة)، وحفر له قبره ووضعه فيه بنفسه ﷺ، ولم يذكر الراوي أنه غُسّل، مما قد يشير إلى أنه دُفن على هيئة الشهيد بدمائه وثيابه.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- قيمة الإنسان عند الله ليست بحسب مكانته الدنيوية: كان جليبيب رضي الله عنه فقيراً لا عشيرة له، قد يظنه البعض ضعيفاً أو غير ذي شأن، لكنه في الحقيقة كان من أعظم الشجعان والأبطال، وكان له مكانة سامية في قلب النبي ﷺ. القيمة الحقيقية بالتقوى والإيمان والبذل والعطاء.
2- الاهتمام بالفرد والضعيف: النبي ﷺ هو القائد الذي لا ينسى أحداً من جنوده، حتى لو كان بسيطاً في نظر الناس. سؤاله المتكرر وتذكره الخاص لجليبيب درس في رعاية القائد لأفراد رعيته جميعاً.
3- الشجاعة والإقدام في سبيل الله: قصة جليبيب هي قصة بطولة نادرة، حيث استطاع وحده أن يقتل سبعة من الأعداء قبل أن يستشهد. هذا نموذج للإيمان الذي يملأ القلب فيُعطي صاحبه قوة خارقة.
4- مكانة الشهيد عند الله: تكريم النبي ﷺ لجليبيب وتأبينه له بهذه الصورة ("هذا مني وأنا منه") دليل على علو منزلته عند الله. وقوله ﷺ "هذا مني وأنا منه" يشبه قوله عن سلمان الفارسي: "سلمان منا أهل البيت"، وهي أعلى درجات المنزلة والقرب.
5- تواضع النبي ﷺ ومحبته لأصحابه: نزول النبي ﷺ بنفسه ليحمل جثمان جليبيب ويحفر له ويدفنه هو أعظم دليل على تواضعه ﷺ وحبه لأصحابه المؤمنين، regardless من وضعهم الاجتماعي.
6- أن الشهيد لا يُغسل: من الفوائد الفقهية في الحديث أن الشهيد الذي يموت في المعركة يدفن بدمائه وثيابه ولا يُغسل، كما فعل النبي ﷺ بجليبيب.

رابعاً. معلومات إضافية:

● جليبيب رضي الله عنه: كان من الأنصار، واشتهر بفقره وعدم وجود عشيرة كبيرة له، لكنه اشتهر بشدة إيمانه وشجاعته.
● قول النبي ﷺ "هذا مني وأنا منه": هذه العبارة تدل على كمال المحبة والاقتران، كأنه جزء من النبي ﷺ، وهي من أرفع الدرجات التي يمكن أن يصل إليها المؤمن.
● الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الألباني.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يُقتدى بهم في الخير، وأن يرزقنا الإيمان والشجاعة في سبيله، وأن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في المناقب (٢٤٧٢) عن إسحاق بن عمر بن سَليط، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن كنانة بن نُعيم، عن أبي برزة فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 391 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: هل تفقدون من أحد

📜 حديث: هل تفقدون من أحد

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: هل تفقدون من أحد

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: هل تفقدون من أحد

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: هل تفقدون من أحد

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية