حديث: دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب الصّلاة في الكعبة
صحيح: رواه ابن خزيمة (٣٠١٠) من طرق، عن سفيان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه وغيره، يروي لنا حدثاً مفصلياً في تاريخ الإسلام، وهو فتح مكة، ويحمل في طياته دروساً عظيمة في الأخلاق والسياسة والحكمة.
أولاً. شرح مفردات الحديث:
● يوم الفتح: هو اليوم الذي دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة فاتحين، في العام الثامن للهجرة.
● على ناقة لأسامة: أي كان راكباً ناقة تخص أسامة بن زيد رضي الله عنه، مما يدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم.
● أناخ بفناء الكعبة: أي أوقف ناقته في الساحة المحيطة بالكعبة المشرفة.
● عثمان بن طلحة: هو من بني عبد الدار، وكانوا سدنة الكعبة (حملة مفاتيحها) في الجاهلية والإسلام.
● أجافوا الباب: أغلقوه وأطالوا إغلاقه.
● بدر الناس فبدرتهم: أي سبقتهم وتقدمت عليهم بسرعة بسبب قوتي وشبابي.
● العمودين المقدمين: عمودين في جهة مقدمة الكعبة من داخلها.
ثانياً. شرح الحديث:
يصف لنا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما المشهد المهيب لدخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً بعد سنوات من الظلم والاضطهاد الذي لاقاه وأصحابه من قريش. ومع هذا النصر العظيم، لم يدخل صلى الله عليه وسلم منتقماً أو متكبراً، بل دخل متواضعاً راكباً ناقة غيره.
ثم يأتي الموقف العظيم الذي يجسد أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم السياسية والحضارية:
1- طلب المفتاح وإرجاع الحق لأهله: لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة قسراً أو غلبة، بل دعا عثمان بن طلحة، صاحب الحق الشرعي في سدانة الكعبة والذي كان لا يزال على الشرك، وطلب منه المفتاح. هذا درس في احترام الحقوق والملكيات حتى مع الخصوم.
2- ثبات عثمان بن طلحة وإصراره على حقه: رفضت أم عثمان في البداية تسليم المفتاح، خوفاً على مكانتهم، لكن عثمان هدد بأن الأمر خطير وجدي ("أو ليخرجن السيف من صلبي")، فسلمته إياه. هذا يظهر أن الحق كان معترفاً به حتى في الجاهلية.
3- الدخول وإغلاق الباب: دخل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عثمان بن طلحة (من قريش)، وبلال (الحبشي الذي كان عبداً فأصبح مؤذن الإسلام)، وأسامة (ابن زيد الحب). في هذا المشهد رمزية عظيمة: الإسلام يساوي بين العربي والعجمي، بين الشريف وابن الأمة، تحت سقف بيت الله الواحد.
4- صلاة النبي داخل الكعبة: سأل ابن عمر بلالاً عن مكان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه صلى بين العمودين. والصحيح أنه صلى داخلها ركعتين، وهذا من الخصوصيات التي اختص بها صلى الله عليه وسلم يوم الفتح.
ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:
1- التواضع في النصر: أعظم انتصار في تاريخ الإسلام، ومع ذلك دخل النبي متواضعاً، غير متكبر، وهذا من أخلاق الأنبياء والمرسلين. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
2- احترام الحقوق والمقدسات: لم يستولِ على مفتاح الكعبة بالقوة، بل احترم الحق التاريخي لعثمان بن طلحة، مما كان سبباً في إسلامه لاحقاً. الإسلام يحترم الحقوق ويصونها.
3- العدل والمساواة: اختيار بلال وأسامة للدخول معه فيه إعلاء لمبدأ المساواة في الإسلام الذي لا فضل فيه لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
4- الحكمة والسياسة الشرعية: في إطالة إغلاق الباب حكمة، فقد يكون صلى الله عليه وسلم أراد أن يتفقد أحوال الكعبة من الداخل، أو أن يصلي فيها شكراً لله على النصر، أو ليتخذ قراراً مهماً بخصوصها، وكل ذلك من حكمته في قيادة الأمة.
5- بركة الصحبة وحرص السلف: حرص ابن عمر رضي الله عنه، وهو شاب قوي، على معرفة كل细节 عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ليقتدي بها، وهذا دأب الصحابة في التمسك بسنته.
رابعاً. معلومات إضافية:
- بعد هذا الموقف، وعندما أسلم عثمان بن طلحة، ردَّ له النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة وقال: (خُذُوهَا خَالِدَةً تَالِدَةً، لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ). فما زالت السدانة في ذريته إلى يومنا هذا.
- دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وصلاته فيها من الخصائص التي لا تشرع لأمته، فلا يجوز لأحد أن يصلي داخل الكعبة اقتداءً بهذا الفعل.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تخريج الحديث
ورواه مسلم (١٣٢٩: ٣٩٠) من طريق سفيان نحوه إلا أنه لم يسق لفظه كاملًا، وإنما أحال على من قبله. وذكر فيه: ونسيت أن أسأله كم صلَّى رسول الله ﷺ».
واستقصى الطبراني في الكبير (١/ ٣٢٥ - ٣٢٦) روايات نافع عن ابن عمر، عن بلال.
وعثمان بن طلحة هو ابن أبي طلحة بن عثمان بن عثمان بن عبد الدار الحجبي، أسلم قبل الفتح. وأمّه أمّ سعيد بنت شهيد من بني عمرو بن عوف من أهل قباء من الأنصار أنها ظنّت أنّ المفتاح سيؤخذ عنهم ولذا أبطأته، لما رواه عبد الرزاق (٩٠٧٣) ومن طريقه الطبراني في الكبير (٩/ ٥٤)
عن معمر، عن الزهريّ، أنّ رسول الله ﷺ قال لعثمان بن طلحة يوم الفتح: «ائتني بمفتاح الكعبة»، فأبطأ عليه، ورسول الله ﷺ قائم ينتظره، حتى أنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق، ويقول: «ما يحبسه؟». فسعى إليه رجل، وجعلت المرأة التي عندها المفتاح -قال: حسبته قال: إنّها أمّ عثمان- تقول: إنّه إنْ أخذه منكم لم يعطِكُموه أبدًا، فلم يزل بها حتى أعطتْه المفتاح، فأتي به إلى رسول الله ﷺ، ففتح النبيُّ ﷺ البيت، ثم خرج والناس عنده، فجلس عند السّقاية، فقال عليٌّ: لئن كنّا أوتينا النبوة، وأعُطينا السّقاية، وأعطينا الحجابة، ما قوم بأعظم نصيبًا منا، قال: فكأنّ النبيّ ﷺ كره مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة، فدفع إليه المفتاح، وقال: «غيّبه».
فحدثتُ به ابن عيينة، فقال: أخبرني ابن جريج عن ابن أبي مليكة، أنّ النبيّ ﷺ قال لعلي يومئذ -حين كلّمه في المفتاح-: إنّما أعطيتكم ما تُرْزَءُون، ولم أعطِكم ما تُرْزَءُون، يقول: أعطيتكم السّقاية لأنّكم تَغْرمون فيها، ولم أعطكم البيت، أي أنهم بأخذه يأخذون من هديته، قول عبد الرزّاق. إلّا أنه مرسل.
وقوله: «تُرْزَءُون» بصيغة المجهول - وتفسيره كما قال عبد الرزاق: إنّ أموالكم تنقص بسبب السّقاية، وأنتم تتحمّلون هذا وفيه إظهار لفضل بني هاشم.
وقوله: «تَرْزَءُون» أي تنقصون أموال الناس بسبب هداياهم؛ لأنّ من يلي الحجابة يُهدى إليه.
وفي مصنف عبد الرزاق (٩٠٧٦) عن بعض أصحابنا، عن ابن جريج، قال: حدثني ابن أبي مليكة، قال: دعا النبيّ ﷺ عثمان بن طلحة يوم الفتح بمفتاح الكعبة، فأقبل به مكشوفًا، حتى دفعه إلى النبيّ ﷺ، فقال العباس: يا نبي الله، اجمع لي الحجابة مع السقاية؟ ونزل الوحي على النبيّ ﷺ فقال: «ادعوا لي عثمان بن طلحة» فدُعي له، فدفعه النبيّ ﷺ إليه، وستر عليه، قال: فرسول الله ﷺ أوّل من ستر عليه. ثم قال: «خذوه يا بني طلحة لا ينتزعه منكم إلّا ظالم». وهو مرسل.
وفي رواية عن ابن عباس: «خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم» يعني حجابة الكعبة. رواه الطبراني في الكبير (١١/ ١٢٠). وفيه عبد الله بن المؤمل ضعيف الحديث.
وبقية الأحاديث بمعناه ستأتي في فضائل مكة وأخبارها.
وأما قول ابن عمر: «ونسيت أن أسأله كم صلَّى؟» فقد استشكل كثير من أهل العلم رواية نافع هذه؛ لأنه جاء في رواية مجاهد عنه -كما سبق- أنّ النبيّ ﷺ صلَّى ركعتين.
فمنهم من مال إلى تغليط يحيى بن سعيد القطَّان عن سيف عن مجاهد، وهو القاضي عياض.
قال الحافظ ابن حجر: «وهذا مردود، والمغلِّط هو الغالط؛ لأنّ فيه من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ». ثمّ بيّن أنّ يحيى القطان، وشيخه سيف، وشيخه مجاهد كلّهم لم ينفردوا بذلك.
ومنهم من حاول الجمع كالحافظ ابن حجر، إلّا أني لم أجد في هذا الجمع ما يشفي، وبعضها هو نفسه أبعده، وممّا أبعده بأنّ ابن عمر نسي أن يسأل بلالًا، ثم لقيه مرة أخرى فسأله.
أو يقال: إنّ رواية الإثبات التي في صحيح البخاريّ مقدّمة على رواية النسيان؛ لأن اليقين يقضي على الشّك. والله تعالى أعلم بالصّواب.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 585 من أصل 689 حديثاً له شرح
- 560 نضّر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها
- 561 غزا النبي تسع عشرة غزوة وحج حجة الوداع
- 562 كم حج رسول الله ﷺ؟ حجة واحدة واعتمر أربع عمر
- 563 حج النبي ثلاث حجج حجتين قبل الهجرة وحجة بعدها
- 564 ننزل غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة
- 565 وهل ترك لنا عقيل منزلا
- 566 صلّى الظهر يوم التروية بمنى والعصر يوم النفر بالأبطح
- 567 صلى النبي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب
- 568 رسول الله ﷺ والخلفاء من بعده قد حصَّبوا
- 569 نزول الأبطح ليس بسنة
- 570 ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله
- 571 لم يأمرني رسول الله أن أنزل الأبطح حين خرج من...
- 572 صلاة الظهر يوم النفر بالحصبة سنة
- 573 من السنة النزول بالأبطح عشية النفر.
- 574 ادَّلج رسول الله ﷺ ليلة النّفر من البطحاء
- 575 إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبِّر على...
- 576 أناخ النبي ﷺ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها
- 577 مناخ النبي ﷺ بذي الحليفة في بطن الوادي
- 578 يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثًا
- 579 صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه
- 580 فضل الصلاة في المسجد النبوي
- 581 صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما...
- 582 صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد...
- 583 دخول النبي الكعبة والصلاة فيها
- 584 صلى النبي ﷺ في الكعبة ركعتين بين الساريتين.
- 585 دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
- 586 صلّى رسول الله ﷺ في البيت وستأتون من ينهاكم عنه
- 587 صلى رسول الله ﷺ في البيت أربع ركعات
- 588 ترك من الخشبة ثلثها عن يمينه وصلى في الثلث الباقي
- 589 مقدار ما بين النبي والقبلة في الصلاة ثلاثة أذرع
- 590 صلى النبي ﷺ في جوف الكعبة
- 591 لم يؤمر بدخول الكعبة وإنما أمرتم بالطواف
- 592 أمر النبي بإزالة الأصنام من الكعبة يوم الفتح
- 593 دخول النبي الكعبة ودعاؤه عند السارية.
- 594 لم يصل النبي في البيت حين دخله
- 595 لم يصل في الكعبة ولكن سجد بين العمودين.
- 596 لم يدخل النبي ﷺ في عمرته.
- 597 صلِّي في الحجر إذا أردتِ دخول البيت
- 598 ادخلي الحجر فإنه من البيت
- 599 لا تُشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد
- 600 من يسلِّم عليَّ ردَّ الله عليَّ روحي حتّى أرُدَّ عليه...
- 601 لا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث...
- 602 ملائكة يبلغون من أمتي السلام
- 603 قبور أصحابنا وقبور إخواننا
- 604 كان النبيّ ﷺ يأتي قباء راكبًا وماشيًا
- 605 من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه
- 606 إذا قضى أحدكم حجّه فليُعجل الرّحلة إلى أهله
- 607 جامع امرأته وهما محرمان فسأل رسول الله
- 608 من نسي من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما
- 609 تمتع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج
معلومات عن حديث: دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
📜 حديث: دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: دخل النبي الكعبة يوم الفتح وصلى بين العمودين
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








