تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يفتح لنا أبواب فضله وكرمه، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما وفقها في الدين وارض عنا يا أكرم الأكرمين.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يوضح فيه حقوق الزوجة على زوجها، وهو من رواية حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنهما. والحديث رواه أبو داود في سننه، وابن حبان في صحيحه، وأحمد في مسنده، وصححه الألباني.
وفيما يلي شرحه وبيانه على النحو التالي:

---

أولاً. شرح المفردات:

● حق زوجة أحدنا عليه: أي ما الذي يجب للزوجة على زوجها من الواجبات والمعاملة.
● تُطعمها إذا طعمتَ: تطعمها مثل ما تأكل أنت من الطعام، فلا تأكل وتتركها جائعة.
● تكسوها إذا اكتسيت: تلبسها من الثياب مثل ما تلبس أنت، فلا تكتسي وتتركها عارية أو بلباس رديء.
● لا تضرب الوجه: لا تضرب وجهها أبداً، لأنه موطن الجمال والكرامة.
● ولا تُقبّح: لا تقل لها كلمات قبيحة، كأن تسبها أو تشتمها أو تصفها بالقبح.
● ولا تهجره إلا في البيت: لا تهجرها وتترك الحديث معها إلا أن يكون الهجر داخل البيت لمدة محدودة لأجل التأديب، وليس الهجر الذي يضر بها أو يطيل.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يستفسر الصحابي معاوية القشيري رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم عن الواجبات الأساسية التي يجب على الرجل أن يؤديها لزوجته، فيجيبه النبي صلى الله عليه وسلم بهذه التوجيهات المحكمة التي تشكل أساس المعاشرة بالمعروف:
1- «أن تُطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيت»: هذا تأكيد على وجوب النفقة على الزوجة، وهي من أعظم حقوقها على زوجها. والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى بما يتناسب مع حال الزوج، دون إسراف أو تقتير. والمعنى: أن يكون لها ما لك من الطعام واللباس، فلا تميز نفسك عنها في الأساسيات. وهذا من كمال المروءة والعدل.
2- «ولا تضرب الوجه»: النهي عن ضرب الوجه خاص لأنه موطن الحسن ومركز الكرامة، فضربه يشوه الخلقة ويؤذي النفس إيذاءً بالغاً. وهذا نهي تحريمي، فلا يجوز للرجل أن يضرب وجه زوجته حتى لو في حالات التأديب التي أباحها الشرع بشروط شديدة (كالنشوز مع عدم جدوى الوعظ والهجر)، فإنه حتى لو اضطر للضرب للتأديب (وهو أبغض الحلال عند الله كما في الحديث)، فيجب أن يكون غير مبرح، ويجب تجنب الوجه.
3- «ولا تُقبّح»: أي لا تذكرها بألفاظ سيئة أو توصفها بالصفات القبيحة، كأن تقول لها: "يا قبيحة" أو تسبها أو تشتمها. وهذا يدخل في النهي عن الإيذاء اللفظي والمعنوي، فالكلمة الطيبة صدقة، والكلمة الخبيثة قد تهدم بيتاً وتُفسد قلباً.
4- «ولا تهجره إلا في البيت»: الهجر أسلوب تأديبي مُجاز في الشرع في حال تقصير الزوجة في حق الله (كالنشوز)، ولكن له ضوابط:
- أن يكون الغرض منه الإصلاح لا الانتقام أو الإضرار.
- أن يكون مؤقتاً، لا يمتد طويلاً.
- أن يكون «إلا في البيت»، أي ألا يهجرها خارج البيت فيفضحها أو يترك البيت ويخرج، بل يهجر الحديث والمعاشرة داخل البيت فقط، ليكون وسيلة للإصلاح دون أن يؤدي إلى مفسدة أكبر (كأن تترك بيت الزوجية أو ينتشر أمرهما بين الناس).

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الرحمة والعدل أساس العلاقة الزوجية: الحديث يرسخ مبدأ المعاشرة بالمعروف والرحمة بين الزوجين، فليست العلاقة قائمة على القوة والهيمنة، بل على العدل والبر والإحسان.
2- ضمان الكفاية المادية: من حق الزوجة على زوجها أن يوفر لها necessities الحياة من طعام ولباس ومسكن، وهذا واجب شرعي.
3- تحريم الإيذاء الجسدي والمعنوي: النهي الصريح عن ضرب الوجه والتقبيح دليل على حرمة إيذاء الزوجة نفسياً وجسدياً، وأن الإسلام سد كل باب يؤدي إلى الإهانة أو الإذلال.
4- الهجر للعلاج لا للعقاب: الشرع ينظم حتى أساليب التأديب، فيجعلها مقيدة بضوابط تمنع تحولها إلى ظلم أو انتقام. فالهجر مسموح به فقط كـ"دواء" مؤقت للإصلاح داخل جدران البيت، وليس أسلوب حياة.
5- بيان سماحة الإسلام: في مقابلة هذا الحق العظيم للزوجة، أوجب الإسلام عليها طاعة الزوج في المعروف وحفظه في غيبته وماله، لتحقيق التوازن في الأسرة.
6- الأسلوب النبوي في التربية: إجابة النبي صلى الله عليه وسلم كانت واضحة، مباشرة، وشاملة لأهم الجوانب العملية في الحياة الزوجية، مما يسهل تطبيقها.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث often يُستشهد به alongside الحديث الآخر: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (رواه الترمذي وحسنه)، ليصور النموذج النبوي في معاملة الزوجات.
- الهجر في البيت لا يجب أن يتعدى ثلاثة أيام، كما ورد في النهي