أعط كل ذي حق حقه

حديث: أعط كل ذي حق حقه

عن أبي جُحيفة قال: آخى النبي ﷺ بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أم الدرداء متبذّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل، فلمّا كان الليل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نمْ، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نمْ. فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن. فصلّيا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النّبي ﷺ فذكر ذلك له، فقال النبي ﷺ: «صدق سلمان».

صحيح: رواه البخاري في الصوم (١٩٦٨)، عن محمد بن بشّار، حدّثنا جعفر بن عون، حدّثنا أبو العُميس، عن عَون بن أبي جحيفة، عن أبيه، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما ندرس ونفهم من حديث نبينا الكريم.
الحديث الشريف: الذي ذكرته حديث عظيم، رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي ترسم منهجاً متوازناً في حياة المسلم بين حق الله وحق النفس وحق الآخرين.
شرح المفردات:
* آخى النبي ﷺ بين سلمان وأبي الدرداء: أي عقد بينهما عقد أخوة في الله بعد الهجرة إلى المدينة، لتقوية أواصر المحبة والتعاون بين المسلمين.
* متبذلة: أي لابسة ثياباً رثة أو غير مهتمة بهندامها، لانشغالها الشديد بالعبادة أو لعدم الاهتمام بالزينة الدنيوية.
* ليس له حاجة في الدنيا: أي أنه قد انقطع للعبادة وترك أمور الدنيا وزينتها بالكلية.
* صنع له طعامًا: أي قدم له طعام العشاء.
* قم الآن: أي حان وقت قيام الليل (قيام التهجد).
شرح الحديث:
1- الأخوة في الله: بدأ النبي ﷺ بتعزيز الروابط الاجتماعية بين أصحابه، فآخى بين سلمان الفارسي، الحكيم العابد، وأبي الدرداء، الزاهد العابد، مما مهد لزيارة الأخ لأخيه وتبادل النصح.
2- زيارة سلمان وملاحظته: عندما زار سلمان أبي الدرداء، لاحظ إهمال زوجته (أم الدرداء) لنفسها وهيبتها، وهو انعكاس لحالة الزهد الشديد والانقطاع للعبادة التي يعيشها أبو الدرداء، حتى أهمل حق أهله في المعيشة الكريمة.
3- الحوار والموقف العملي: عندما رفض سلمان الأكل إلا أن يأكل معه أبو الدرداء، ثم منعه من قيام الليل كله وأمره بالنوم، كان سلمان يقدم درساً عملياً في التوازن. لقد أراد أن يبين له أن للجسد حقاً في الراحة والطعام، حتى يستطيع القيام بحق الله على الوجه الأكمل لاحقاً.
4- التوجيه الحكيم من سلمان: بعد أن نام أبو الدرداء واستراح، وأكل مما يعينه على العبادة، جاء التوجيه النظري الحكيم الذي لخص منهج الإسلام كله: "إن لربك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعط كل ذي حق حقه".
* حق الله: هو الطاعة والعبادة والذكر والصلاة وغيرها.
* حق النفس: هو الطعام والشراب والنوم والراحة واللهو المباح.
* حق الأهل: هو الإنفاق عليهم، وحسن المعاشرة، وإكرامهم، وإدخال السرور عليهم.
5- تصديق النبي ﷺ: عندما ذهب أبو الدرداء إلى النبي ﷺ وأخبره بقول سلمان وفعله، صدقه النبي ﷺ وقال: "صدق سلمان". وهذا تأكيد من النبي ﷺ على صحة هذا المنهج المتوازن، وأنه ليس من الدين التفريط في حق لصالح حق آخر.
الدروس المستفادة والعبر:
1- التوازن والوسطية: هذا الحديث أصل عظيم في الوسطية في الدين، والنهي عن الغلو والتشدد. فالدين ليس انقطاعاً تاماً للعبادة وإهمالاً للدنيا، بل هو توازن بين الحقوق.
2- رفع الحرج: الإسلام يسر وليس عسر، والعبادة لا يجب أن تصل إلى درجة المشقة التي تضر بالبدن أو تهلك النفس أو تضيع الأهل.
3- الحكمة في الدعوة والنصح: أسلوب سلمان كان حكيماً جداً، حيث لم يوجه النقد مباشرة، بل قدم الحل العملي أولاً (الأكل والنوم) ثم عقب عليه بالتوجيه النظري، فكانت الاستجابة أفضل.
4- حقوق العائلة: على المسلم أن يذكر أن لزوجته وأولاده حقوقاً عليه، ومنها الحق المعيشي والنفسي، وإدخال السرور عليهم، وليس من الصحيح إهمالهم تحت شعار الانشغال بالعبادة.
5- الأخذ بالأسباب: حتى في العبادة يحتاج الإنسان إلى الأخذ بالأسباب المادية (كالطعام والنوم) ليقوى عليها، وهذا من التوكل الصحيح.
خاتمة:
هذا الحديث نور وهداية لكل من غلا في الدين أو تشدد، أو أهمل حقاً من الحقوق الواجبة عليه. إنه يذكرنا بأن الإسلام دين الفطرة والعدل، يأمر بإعطاء كل ذي حق حقه دون إفراط أو تفريط. فالحمد لله الذي جعلنا من أمة الوسط والتوازن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الصوم (١٩٦٨)، عن محمد بن بشّار، حدّثنا جعفر بن عون، حدّثنا أبو العُميس، عن عَون بن أبي جحيفة، عن أبيه، فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 125 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: أعط كل ذي حق حقه

📜 حديث: أعط كل ذي حق حقه

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: أعط كل ذي حق حقه

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: أعط كل ذي حق حقه

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: أعط كل ذي حق حقه

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية