أعلف فرسه وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول. هذا حديث عظيم من صحيح البخاري، يروي لنا جانباً من سيرة السلف الصالح، وخاصة سيرة أم المؤمنين أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وزوجها الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه. وإليك الشرح المفصل:

---

1. شرح المفردات:

● ناضح: البعير الذي يُستقى به الماء من البئر.
● أخرز غرَبه: "الغرب" هو الدلو الكبير من الجلد، و"أخرزه" يعني أُصلحه وأخيطه إذا تمزق.
● النوى: هو ما يتبقى من التمر بعد أكله (البذور والقصرة)، وكانت تستعمله كوقود للطبخ.
● ثلثي فرسخ: الفرسخ يساوي حوالي 5.5 كيلومترات، فثلثاه حوالي 3.7 كيلومترات. وهو مسافة بعيدة جداً للمشي حاملةً حملاً ثقيلاً.
● إخ إخ: كلمة يقولها العربي لإيقاف الدابة لتركب.
● سياسة الفرس: رعاية الفرس والعناية به وإطعامه.

---

2. شرح الحديث:

تحدثنا أم المؤمنين أسماء رضي الله عنها عن بداية حياتها الزوجية مع الزبير بن العوام رضي الله عنه، والذي كان فقيراً لا يملك إلا ثلاثة أشياء: ناقة (الناضح) يستقي بها الماء، وفرسه التي يغزو عليها في سبيل الله، ولم يكن عنده خدم أو أموال.
فكانت هذه المرأة العظيمة، ابنة أبي بكر الصديق، تقوم بكل الأعمال الشاقة بنفسها:
- كانت تعلف فرسه، أي تطعمه وتهتم به.
- كانت تستقي الماء من البئر باستخدام الناقة.
- كانت تخرز الغرب، أي تصلح الدلو الجلدي إذا تمزق.
- كانت تعجن الدقيق ولكنها لم تكن تجيد الخبز، فكانت جاراتها الصالحات من نساء الأنصار يخبزن لها.
وأشق عمل كان عليها القيام به هو نقل النوى من أرض الزبير التي أقطعها إياه رسول الله ﷺ (أي أعطاه إياها). وكانت هذه الأرض على بعد مسافة طويلة (ثلثي فرسخ)، فكانت تضع النوى على رأسها وتحمله مشياً على الأقدام.
وفي يوم من الأيام، بينما هي regresando من هذه المهمة الشاقة، والنوى على رأسها، قابلت رسول الله ﷺ ومجموعة من أصحابه الأنصار. فلما رآها بهذه الحالة، تحركت فيه الرحمة والنبل، فأناخ راحلته (أوقفها) وقال لها: «إخ إخ» داعياً إياها لتركب خلفه ليسهل عليها مشقة الطريق وحمل الثقل.
هنا، تظهر الحياء والعفة الفطرية لدى المرأة المسلمة الصالحة. فاستحيت أسماء رضي الله عنها أن تركب مع الرجال، وتذكرت غيرة زوجها الشديدة، وكان الزبير معروفاً بأنه من أغير الناس. فلم تركب.
فهم رسول الله ﷺ من حالها وحيائها ما فهم، فلم يُلح عليها احتراماً لشعورها وحيائها، ومضى في طريقه.
عندما عادت إلى الزبير رضي الله عنه، أخبرته بما حدث. فرد عليها رداً يظهر غيرته الشرعية المحمودة وحبه لها ورقته عليها، فقال: "والله لحملك النوى على رأسك كان أشد عليّ من ركوبك معه". أي أن مشقتها وحملها للأثقال تؤلمه وتثقله أكثر من ركوبها مع النبي ﷺ لو اضطرت لذلك، لأن غيرته غيرة شريفة نقية، وليست غيرة عمياء.
وفي نهاية الحديث، تظهر الفرجة بعد الشدة. فقد رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه (وهو والدها) ما تعانيه ابنته، فأرسل إليها خادماً ليكفيها مؤونة رعاية الفرس والسياقة به، فشعرت بأن هذا الخادم كأنه أعتقها من عبودية المشقة والتعب.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الصبر على الشدة والفقر: فقد ضربت أسماء والزبير رضي الله عنهما أروع الأمثلة في الصبر على قلة ذات اليد، وعدم التذمر أو الشكوى للخلق.
2- التعاون بين الزوجين: الحياة الزوجية شركة وتعاون، وليست مسؤولية أحد الطرفين فقط. فكانت أسماء تعين زوجها في كل شيء، وكان هو يقدر تضحيتها.
3- حياء المرأة المسلمة وعفتها: استحياء أسماء من الركوب مع الرجال، حتى مع وجود النبي ﷺ، درس عظيم في الحياء الذي هو من شعب الإيمان.
4- الغيرة المحمودة للرجل على أهله: غيرة الزبير كانت غيرة شرعية، مقرونة بالرحمة والعطف، وليست غيرة مذمومة مقرونة بالتضييق والإيذاء.
5- رفقة الصالحين: كانت جارات أسماء من نساء الأنصار "نسوة صدق"، يعاونها في الخبز، مما يدل على أهمية اختيار الجيران والصاحب الصالح.
6- رحمة النبي ﷺ وشفقته: حيث لم يتردد في عرض المساعدة عليها، واحترم حياءها عندما رأى ترددها.
7- بر الوالدين: حيث أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينس ابنته، وساعدها عندما تيسر له ذلك.
8- الفرج بعد الشدة: فالحياة الدنيا تتقلب بين الشدة والرخاء، والصبر على الشدة يؤدي إلى الفرج، كما حصل لأسماء.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● الزبير بن العوام هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أهل