صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

حديث: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «يا عبد اللَّه، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل». قلت: بلى يا رسول اللَّه، قال: «فلا تفعلْ، صم وأفطر، وقم ونَمْ، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإنّ لزوجك
عليك حقًا».

متفق عليه: رواه البخاري في النكاح (٥١٩٩)، من طريق الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يُرشدنا إلى قاعدَةٍ مهمة في ديننا الحنيف، وهي الاعتدال والتوازن واجتناب الغلو والتشدد.

أولاً. نص الحديث الكامل ومصدره:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا».
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 5199)، ومسلم (رقم 1159).

ثانياً. شرح المفردات:

● ألم أخبر: أي ألم يصل إلي خبر.
● تصوم النهار وتقوم الليل: أي تواصل الصيام لا تفطر، وتواصل قيام الليل لا تنام.
● فلا تفعل: نَهيٌ عن المبالغة في العبادة بهذه الصورة.
● صم وأفطر: أي صم بعض الأيام وأفطر في أخرى.
● قم ونم: أي قم الليل的一部分 وانم بقيتَه.
● حقًا: نصيبًا واجبًا يجب عليك أداؤه.

ثالثاً. شرح الحديث:

كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما شابًا قويًا نشيطًا، فأراد أن يجتهد في العبادة اجتهادًا كبيرًا، فكان يصوم كل يوم ويقوم كل ليلة، ويترك النوم والراحة. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن ذلك.
فالحديث يوضح لنا عدة أمور:
1- نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو في العبادة: فالدين الإسلامي دين يسر وسهولة ووسطية، لا غلو فيه ولا تشديد. فالمبالغة في العبادة حتى تصل إلى حدّ إرهاق البدن وإهمال الحقوق الأخرى مذمومة وغير مشروعة.
2- التوازن بين حق الله وحق النفس والآخرين: النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن العبادة، بل نهاه عن الإفراط فيها الذي يؤدي إلى إهمال حقوق أخرى واجبة. فالإنسان ليس روحًا فقط، بل له جسد يحتاج إلى طعام وراحة، وله عين تحتاج إلى نوم، وله أهل وزوجة لهم عليه حقوق.
3- مشروعية الأخذ بالأيسر والأرفق: أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصوم ويفطر، أي يصوم بعض الأيام (كصوم الإثنين والخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر) ويفطر في الباقي، وأن يقوم الليل وينام، أي يصلي часть الليل وينام الجزء الآخر ليأخذ جسمه حظه من الراحة.

رابعاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الوسطية والاعتدال سمة هذه الأمة: قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]. والوسط هنا هو العدل والخيار. فأفضل الأعمال ما داوم عليه صاحبه وإن قل.
2- التيسير ورفع الحرج: من محاسن هذا الدين أنه رفع الحرج وشرع التيسير، ونهى عن التنطع والغلو. قال صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ» (رواه النسائي وابن ماجه).
3- مراعاة الحقوق المتعددة: للمسلم حقوق متعددة: حق الله، وحق نفسه، وحق أهله وزوجته، وحق مجتمعه. والإسلام يريد من المسلم أن يوازن بين هذه الحقوق جميعًا ولا يضيع واحدًا لصالح الآخر.
4- أن القصد والتوسط في العبادة أفضل من المبالغة التي تؤدي إلى الملل أو الانقطاع: فالعمل القليل الدائم خير من العمل الكثير المنقطع.
5- الحث على رعاية البدن وعدم إتعابه: فالجسد السليم المعافى هو وسيلة للعبادة والعمل الصالح، وإرهاقه يعطل هذه الوسيلة.

خامساً:

معلومات إضافية:
- هذا الحديث أصل عظيم في باب الرقة والرحمة التي جاء بها الإسلام، وهو توجيه نبوي كريم للشباب المتحمس الذي قد يحمله حب الطاعة على الإفراط.
- يستفاد منه أيضًا أن استشارة العلماء وأهل العلم أمر مهم، فلو أن عبد الله بن عمرو سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن نيته من البداية لما وقع في ما نُهي عنه.
- ينطبق هذا الحكم على جميع أنواع العبادة، فلا يجوز للمسلم أن يبالغ في صلاة أو صيام أو قراءة قرآن إلى حد يضر بصحته أو يضيع حقوق غيره.
نسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، والاعتدال في العمل، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في النكاح (٥١٩٩)، من طريق الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثني عبد اللَّه بن عمرو بن العاص قال فذكره.
ورواه مسلم في الصيام (١١٥٩) من طريق أبي سلمة وغيره عن عبد اللَّه بن عمرو، وقد سبق في الصيام.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 124 من أصل 360 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

📜 حديث: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقًا

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية