من رأى مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، يتعلق بمسألة عظيمة من مسائل الفقه الإسلامي، وهي قضية اللعان، والتي أنزل الله تعالى فيها آيات بينات في سورة النور.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● أرأيتَ رجلًا رأى مع امرأته رجلًا: أي أخبرني يا رسول الله عن حكم رجل شاهد زوجته تخون عرضه وتقترف الفاحشة مع رجل آخر.
● أيقتله فتقتلونه: هل لي أن أقتل ذلك الرجل، ثم يُقتل أنا قصاصاً؟
● فأنزل الله فيهما ما ذكر في القرآن: أي أنزل الله تعالى حكم اللعان في سورة النور، الآيات 6-9.
● قضي فيك وفي امرأتك: أي حُكم في شأنك وشأن زوجتك باللعان.
● فتلاعنَا: أي حصلت مراسم اللعان بين الزوجين أمام القاضي (وهو النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة).
● سُنَّة أن يُفَرّق بين المتلاعنين: أي أصبح حكماً شرعياً ثابتاً أن يفترق الزوجان بعد اللعان ولا يجتمعان أبداً.
● فأنكر حملها: أي أنكر الزوج أن يكون الولد منه نتيجة للعان.
● يُدعى إليها: أي يُنسب الولد إلى أمه بعد اللعان.
● جرت السنة في الميراث: أي أصبح الحكم الشرعي الثابت.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر الصحابي سهل بن سعد رضي الله عنه عن قصة رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في أمر عظيم: فقد رأى زوجته مع رجل آخر في موقف يثير الشبهة والريبة، فسأل: هل لي أن أقتل ذلك الرجل؟ مع علمه بأنه إن فعل فسيُقتل قصاصاً.
فأنزل الله تعالى حكماً لهذه القضية المحيرة، وهو حكم اللعان، الذي ذكره في سورة النور. فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن الله قد قضى في أمره وأمر زوجته بحكم اللعان.
فجريا مراسم اللعان أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سهل بن سعد حاضراً يشهد ذلك. وكانت نتيجة اللعان أن افترق الزوجان إلى الأبد، وأصبح هذا حكماً شرعياً ثابتاً.
وكانت المرأة حاملاً، فأنكر الزوج أن يكون الحمل منه بسبب اللعان. فكان الولد يُنسب إلى أمه فقط (يُدعى إليها)، ولا يُنسب إلى الأب. وأصبح الحكم في الميراث أن لا توارث بينهما، فليس له أن يرث منها، وليس لها أن ترث منه، إلا ما فرض الله لها من مهر أو غيره.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عدالة الشريعة وحكمتها: حيث شرع الله تعالى اللعان طريقاً لحل قضية شائكة، تحفظ حقوق الزوج، وتصون عرض المرأة، وتجنب المجتمع إراقة الدماء بغير حق.
2- تحريم القتل بغير حق: فالزوج لم يُبح له قتل الرجل الذي رآه مع زوجته، لأن الشريعة تدرأ الحدود بالشبهات.
3- إثبات حكم اللعان: وهو أن للزوج إذا اتهم زوجته بالزنا ولم يكن له بينة (أربعة شهود)، فله أن يلاعنها بأربع شهادات بالله أنه لصادق، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. وردها أن تشهد أربع شهادات بالله أنه لكاذب، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
4- الفرقة الأبدية بين المتلاعنين: فإذا حصل اللعان، افترق الزوجان إلى الأبد، ولا يجوز لهما العودة إلى بعضهما.
5- نفي الولد عن الزوج: فإذا حصل اللعان وأنكر الزوج أن الولد منه، فإن الولد يُنسب إلى أمه فقط، ولا يلحق بالأب، ولا تثبت له ولاية عليه.
6- انقطاع التوارث بينهما: فلا يرث أحد المتلاعنين من الآخر بعد الفرقة باللعان.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- اللعان يسقط حد القذف عن الزوج إذا لم يأتِ بأربعة شهود.
- اللعان يسقط حد الزنا عن المرأة إذا لم يعترف به الزوج أو لم تثبت البينة.
- اللعان من أحكام القضاء، فلا يصح إلا بحضور القاضي.
- هذه القصة كانت سبب نزول آيات اللعان في سورة النور، وهي من أظهر الأدلة على أن السنة شارحة للقرآن ومبينة له.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويبصرنا في الشرع، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.